قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ شَرْحِ الْكَلِمَاتِ اللَّاتِي مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي سُورَةِ هُودٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَفْصِيِّ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وَلِلْبَاقِينَ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الْأَخِيرِ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَبْلَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ. وَنُوحٌ هُوَ ابْنُ لَمْكَ - بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا كَافٌ - ابْنُ مَتُّوشَلَخَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ - ابْنِ خَنُوخَ - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُعْجَمَةٌ - وَهُوَ إِدْرِيسُ فِيمَا يُقَالُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مَوْلِدَ نُوحٍ كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ آدَمَ بِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا، وَأَنَّهُ بُعِثَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: إِنَّ مُدَّةَ عُمُرِهِ أَلْفُ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَبَعْدَهَا وَبَعْدَ الْغَرَقِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيٌّ كَانَ آدَمُ? قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَمْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ? قَالَ عَشَرَةُ قُرُونٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ مَا ظَهَرَ لَنَا) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْهُ أَيْ أَوَّلَ النَّظَرِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ.
قَوْلُهُ: ﴿أَقْلِعِي﴾ أَمْسِكِي، ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ نَبَعَ الْمَاءُ) وَصَلَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَجْهُ الْأَرْضِ) وَصَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ قَالَ وَجْهُ الْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْجُودِيُّ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ، وَزَادَ: تَشَامَخَتِ الْجِبَالُ يَوْمَ الْغَرَقِ وَتَوَاضَعَ هُوَ لِلَّهِ، فَلَمْ يَغْرَقْ وَأُرْسِيَتْ عَلَيْهِ سَفِينَةُ نُوحٍ.
قَوْلُهُ: (دَأْبٌ حَالٌ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ أَيْضًا.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ:
الْأَوَّلُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْفِتَنِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ: وَلَقَدْ أَنْذَرَه نُوحٌ قَوْمَهُ وَخَصَّ نُوحًا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ ذَكَرَهُ، وَهُوَ أَوَّلُ الرُّسُلِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾
الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَعْنَى كَذَلِكَ.
الثَّالِثُ: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي شَهَادَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ لِنُوحٍ بِالتَّبْلِيغِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ نُوحٍ بَيَانُ السَّبَبِ فِي عِبَادَةِ قَوْمِ نُوحٍ الْأَصْنَامَ.
مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبِيَّ ﷺ، فَيَأْتُونِي، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ: لَا أَحْفَظُ سَائِرَهُ.
الرَّابِعُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الشَّفَاعَةِ.
قَوْلُهُ فِيهِ: (دُعْوَةٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (١) الْوَلِيمَةُ. وَقَوْلُهُ: (فَرُفِعَتْ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ) أَيْ ذِرَاعُ الشَّاةِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْأَطْعِمَةِ.
قَوْلُهُ: (فَنَهَسَ) بِنُونٍ وَمُهْمَلَةٍ أَيْ أَخَذَ مِنْهَا بِأَطْرَافِ أَسْنَانِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فِي الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْمُهْمَلَةِ.
قَوْلُهُ: (أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِظُهُورِ ذَلِكَ لَهُ يَوْمَئِذٍ، حَيْثُ تَكُونُ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ تَحْتَ لِوَائِهِ، وَيَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الرِّقَاقِ مَعَ تَتِمَّةِ شَرْحِ الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا. فَأَمَّا كَوْنُهُ أَوَّلَ الرُّسُلِ فَقَدِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ آدَمَ كَانَ نَبِيًّا وَبِالضَّرُورَةِ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ وَأَنَّ أَوْلَادَهُ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا فَهُوَ رَسُولٌ إِلَيْهِمْ فَيَكُونُ هَذَا أَوَّلَ رَسُولٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَوَّلِيَّةُ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ لِنُوحٍ مُقَيَّدَةٌ بِقَوْلِهِمْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ آدَمَ لَمْ يَكُنْ لِلْأَرْضِ أَهْلٌ أَوْ لِأَنَّ رِسَالَةَ آدَمَ إِلَى بَنِيهِ كَانَتْ كَالتَّرْبِيَةِ لِلْأَوْلَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَسُولٌ أُرْسِلَ إِلَى بَنِيهِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مَعَ تَفَرُّقِهِمْ فِي عِدَّةِ بِلَادٍ، وَآدَمُ إِنَّمَا
(١) في هامش طبعة بولاق: في بعض النسخ، وعبارة القسطلاني بفتح الدال أو كسرها