للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِيهِ السَّعِيدِيُّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: السَّعِيدِيُّ هُوَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ، الْعَاصِ.

[الحديث ٢٨٢٧ - أطرافه في: ٤٢٣٧، ٤٢٣٨، ٤٢٣٩]

قَوْلُهُ: (بَابُ الْكَافِرِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ يُسْلِمُ) أَيِ الْقَاتِلُ فَيُسَدِّدُ بَعْدُ، أَيْ يَعِيشُ عَلَى سَدَادٍ أَيِ اسْتِقَامَةٍ فِي الدِّينِ.

قَوْلُهُ: (وَيَقْتَتِلُ) فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ أَوْ يُقْتَلُ وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَهِيَ أَلْيَقُ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فِي التَّرْجَمَةِ فَيُسَدَّدُ وَالَّذِي وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ فَيَسْتَشْهِدُ وَكَأَنَّهُ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ ذُكِرَتْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وُجُوهِ التَّسْدِيدِ، وَأَنَّ كُلَّ تَسْدِيدٍ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ أَفْضَلَ، لَكِنْ دُخُولُ الْجَنَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالشَّهِيدِ، فَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ كَالشَّرْحِ لِمَعْنَى الْحَدِيثِ. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ الْمُسْلِمُ وَقَارَبَ الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ، وَلِمَالِكٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

قَوْلُهُ: (يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ مِنْ رَجُلَيْنِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الضَّحِكُ الَّذِي يَعْتَرِي الْبَشَرَ عِنْدَمَا يَسْتَخِفُّهُمُ الْفَرَحُ أَوِ الطَّرَبُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِهَذَا الصَّنِيعِ الَّذِي يَحِلُّ مَحَلَّ الْإِعْجَابِ عِنْدَ الْبَشَرِ فَإِذَا رَأَوْهُ أَضْحَكَهُمْ، وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ رِضَا اللَّهِ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وَقَبُولِهِ لِلْآخَرِ وَمُجَازَاتِهِمَا عَلَى صَنِيعِهِمَا بِالْجَنَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ حَالَيْهِمَا، قَالَ: وَقَدْ تَأَوَّلَ الْبُخَارِيُّ الضَّحِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنَى الرِّضَا أَقْرَبُ، فَإِنَّ الضَّحِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَالْقَبُولِ، قَالَ: وَالْكِرَامُ يُوصَفُونَ عِنْدَمَا يَسْأَلُهُمُ السَّائِلُ بِالْبِشْرِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ يَضْحَكُ اللَّهُ أَيْ يُجْزِلُ الْعَطَاءَ.

قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يعجب اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ وَيُضْحِكَهُمْ مِنْ صَنِيعِهِمَا، وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْمَجَازِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ يَكْثُرُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَكْثَرُ السَّلَفِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَأْوِيلِ مِثْلِ هَذَا وَيُمِرُّونَهُ كَمَا جَاءَ (١) وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِي مِثْلِ هَذَا الْإِمْرَارِ اعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا تُشْبِهُ صِفَاتُ اللَّهِ صِفَاتِ الْخَلْقِ، وَمَعْنَى الْإِمْرَارِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ مِنْهُ مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّحِكِ الْإِقْبَالُ بِالرِّضَا تَعْدِيَتُهُ بِإِلَى تَقُولُ: ضَحِكَ فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ طَلِقَ الْوَجْهِ مُظْهِرًا لِلرِّضَا عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟.

قَوْلُهُ: (يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ) زَادَ هَمَّامٌ فَيَلِجُ الْجَنَّةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ الْأَوَّلَ كَانَ كَافِرًا. قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ، وَلَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ كَمَا لَوْ قَتَلَ مُسْلمٌ مُسْلِمًا عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ ثُمَّ تَابَ الْقَاتِلُ وَاسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ دُخُولَ مِثْلِ هَذَا مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ قَاتِلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا لَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْآخَرِ فَيَهْدِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَلَى أَبِي


(١) وهذا هو الصواب الذي جرت عليه الملة وعمل به أئمتها من العصر النبوي إلى زمن الأئمة المتبوعين، والخروج عن هذه الطريقة إلى التأويل عدول عن طريقة الصحابة والتابعين والتابعين لهم بإحسان