الثَّمَدَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَقِيلَ الثَّمَدُ مَا يَظْهَرُ مِنَ الْمَاءِ فِي الشِّتَاءِ وَيَذْهَبُ فِي الصَّيْفِ.
قَوْلُهُ: (يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالتَّشْدِيدِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْأَخْذُ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَالْبَرْضُ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ الْيَسِيرُ مِنَ الْعَطَاءِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: هُوَ جَمْعُ الْمَاءِ بِالْكَفَّيْنِ، وَذَكَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عُرْوَةَ وَسَبَقَتْ قُرَيْشٌ إِلَى الْمَاءِ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، وَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْحُدَيْبِيَةَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَلَيْسَ بِهَا إِلَّا بِئْرٌ وَاحِدَةٌ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يُلْبِثْهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ اللَّامِ مِنَ الْإِلْبَاثِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ أَيْ لَمْ يَتْرُكُوهُ يَلْبَثُ أَيْ يُقِيمُ.
قَوْلُهُ: (وَشُكِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.
قَوْلُهُ: (فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ) أَيْ أَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ جَعْبَتِهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَمَرَهُمْ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ أَنَّ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الَّذِي سَاقَ الْبُدْنَ هُوَ الَّذِي نَزَلَ بِالسَّهْمِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَفِي رِوَايَةِ نَاجِيَةَ بْنِ الْأَعْجَمِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ عُبَادَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ: أَنَا الَّذِي نَزَلْتُ بِالسَّهْمِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُمْ تَعَاوَنُوا عَلَى ذَلِكَ بِالْحَفْرِ وَغَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ ﷺ جَلَسَ عَلَى الْبِئْرِ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فَمَضْمَضَ وَدَعَا اللَّهَ ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: دَعُوهَا سَاعَةً. ثُمَّ إِنَّهُمُ ارْتَوَوْا بَعْدَ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ الْأَمْرَانِ مَعًا وَقَعَا. وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَوْسِ بْنِ خَوْلِيٍّ أَنَّهُ ﷺ تَوَضَّأَ فِي الدَّلْوِ ثُمَّ أَفْرَغَهُ فِيهَا وَانْتَزَعَ السَّهْمَ فَوَضَعَهُ فِيهَا وَهَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ ﷺ تَمَضْمَضَ فِي دَلْوٍ وَصَبَّهُ فِي الْبِئْرِ وَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَأَلْقَاهُ فِيهَا وَدَعَا فَفَارَتْ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ غَيْرُ الْقِصَّةِ الْآتِيَةِ فِي الْمَغَازِي أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهَا، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الْحَدِيثَ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ قِصَّةِ الْبِئْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَفِيهِ بَرَكَةُ سِلَاحِهِ وَمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ نَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ غَيْرِ هَذِهِ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْحَدِيثَ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ الْقِصَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (يَجِيشُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ أَيْ يَفُورُ، وَقَوْلُهُ: (بِالرِّيِّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا. وَقَوْلُهُ: (صَدَرُوا عَنْهُ) أَيْ رَجَعُوا رُوَاءً بَعْدَ وِرْدِهِمْ. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ حَتَّى اغْتَرَفُوا بِآنِيَتِهِمْ جُلُوسًا عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ.
قَوْلُهُ: (فَبَيْنَمَا هُمْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَبَيْنَا هُمْ (كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلٌ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالتَّصْغِيرِ أَيِ ابْنُ وَرْقَاءَ بِالْقَافِ وَالْمَدِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ.
قَوْلُهُ: (فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ) سَمَّى الْوَاقِدِيُّ مِنْهُمْ عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ، وَخِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ مِنْهُمْ خَارِجَةُ بْنُ كُرْزٍ، وَيَزِيدُ بْنُ أُمَيَّةُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحٍ) الْعَيْبَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، مَا تُوضَعُ فِيهِ الثِّيَابُ لِحِفْظِهَا، أَيْ أَنَّهُمْ مَوْضِعُ النُّصْحِ لَهُ وَالْأَمَانَةِ عَلَى سِرِّهِ، وَنُصْحُ بِضَمِّ النُّونِ وَحَكَى ابْنُ التِّينِ فَتْحَهَا كَأَنَّهُ شَبَّهَ الصَّدْرَ الَّذِي هُوَ مُسْتَوْدَعُ السِّرِّ بِالْعَيْبَةِ الَّتِي هِيَ مُسْتَوْدَعُ الثِّيَابِ.
وَقَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ) لِبَيَانِ الْجِنْسِ، لِأَنَّ خُزَاعَةَ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ تِهَامَةَ وَتِهَامَةُ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ هِيَ مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا، وَأَصْلُهَا مِنَ التَّهَمِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَرُكُودُ الرِّيحِ. زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُسْلِمُهَا وَمُشْرِكُهَا لَا يُخْفُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا كَانَ بِمَكَّةَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ بُدَيْلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: لَقَدْ غَزَوْتَ وَلَا سِلَاحَ مَعَكَ، فَقَالَ: لَمْ نَجِئْ لِقِتَالٍ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ بُدَيْلٌ: أَنَا لَا أَتَّهِمُ وَلَا قَوْمِي اهـ وَكَانَ الْأَصْلُ فِي مُوَالَاةِ خُزَاعَةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا تَحَالَفُوا