ومستند هذا الاتفاق عموم الأدلة الدالة على مشروعية القتال كقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] ووجه استنادهم إلى هذه الآية: أن الله أمر فيها بقتال المشركين أمراً مطلقاً لم يقيده بآلة خاصة من آلات القتال. وما رواه أحمد عن صفوان بن عسال قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية فقال: "سيروا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً". أما القتال بالماء والنار فقد اتفقوا على جوازه إذا خيف على جماعة المسلمين، واختلفوا بعد ذلك في جواز إحراقهم بالنار وإرسال الماء عليهم لغرقوا أو حبسه عنهم ليموتوا عطشاً فذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة إلى جواز قتل الكفار بهما في الجملة –غير أن الحنفية يرون جواز ذلك مطلقاً سواء أمكن القدرة عليهم بغيرهما أم لا، وسواء كان معهم نساء وصبيان أو مسلمون أم لا، وقد قال الكمال في "فتح القدير": هذا إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح باد كره ذلك، لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما شرع إلا لها. والشافعية، والحنابلة يقيدون استعمالهما بعدم القدرة عليهم بغيرهما فإن أمكن القدرة عليهم بغيرهما كره استعمالهما عند الشافعية، وحرم عند الحنابلة. أما المالكية فيقولون برأي الحنابلة على تفصيل لهم وفرق بين كونهم داخل الحصون أو خارجها، وبين وجود النساء والصبيان فيها أو عدم وجودهم، وبين استعمال الماء والنار يقول المقام بشرحه. الأدلة: استدل الجمهور بما يأتي: أولاً: بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وجه الدلالة أن الله تعالى أمر بقتالهم من غير تقييد بآلة خاصة. ثانياً: بما روى عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قرية يقال لها: "أبنى" فقال: "إئتها صباحاً ثم حرق" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة. فهذا صريح في الأمر بالتحريق من غير تقييد، وهو نص في إباحة التحريق بالنار، ويقاس عليه التغريق بالماء، لأنه لا فرق بينهما باعتبار أثرهما. ثالثاً: إن المقصود من مشروعية الجهاد مع الكفار قتالهم بأي وسيلة لتكون كلمة الله هي العليا ولا شك أن التحريق والتغريق مما يحقق به المقصود فيكون جائزاً. واستدل الجنابلة على حرمة استعمال الماء والنار عند القدرة عليهم بدونهما بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلاناً وفلاناً لرجلين فأحرقوهما النار"، ثم قال حين أردنا الخروج: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما" رواه والبخاري وغيرهما. ووجه الدلالة أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى الصحابة عن إحراق الرجلين لعلمه بأنهم يقدرون عليهما بغير النار، والنهي ظاهر في التحريم فهم يجمعون بين الأدلة فسيعملون بالدليل المجوز لا ستعمالهما في حالة عدم القدرة عليهم بغيرهما، وبالدليل المانع عند القدرة عليهم بغيرهما، واستدل الشافعية على الكرهية في حالة القدرة عليهم بغيرهما بأنه يحتمل إصابة مسلم يظن أنه كافر =