ومما تقدم يعلم أن مذهب الحنفية يلتقي مع المذاهب الأخرى في الجواز حيث دعت الحاجة، وعدمه إذا لم تدع حاجة. فلم يبق ما يصح أن يكون محلاً للخلاف سوى أنه مكروه أو حرام عند عدم الحاجة إليه، والخلاف في ذلك سهل لا يمنع الاتفاق على أصل الحظر أو الإباحة. بقي علينا بعدما تقدم النظر إلى ما يستعمله العدو من الآلات فنستعمل معه مثل ما يستعمل جرياً على قاعدة: وجزاء سيئة مثلها، وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. وقد علمنا من أصول الشريعة العامة أنها لا تسمح بعمل من شأنه أن يؤدي إلى هزيمة المسلمين، كما انها لا تبيح من المحظورات باعتبار أصلها إلا ما دعت إليه الحاجة. وبذلك نستطيع أن نقول: إذا رأى المسلمون أن اتقاء الهزيمة ومغلوبية الأعداء تتوقف على استعمال ما ذكر فإن الشرع بيبح لنا ذلك بل يوجبه إذا استدت الحاجة إليه. وبهذا يمكن التوفيق بين هذه الآراء المختلفة وتصير المسألة إجماعية لا خلاف فيها، وهكذا شأن المسأل التي يناط الحكم فيها بتقدير أولي الأمر وأصحاب البصيرة. وقد صح الأمر بالتحريق في بعض المواضع، والنهي عنه في بعضها والقريب في ذلك أنه مبني على تقدير حالة العدو والعمل بما يناسبها. ينظر: "الجهاد" لشيخنا شحاتة محمد شحاتة. ١ أخرجه البخاري [٧/ ٣٢٩] ، كتاب المغازي: باب حديث بني النضر، حديث [٤٠٣١- ٤٠٣٢] ، ومسلم [٣/ ١٣٦٥] ، كتاب الجهاد والسير: باب جواز قطع أشجار الكفار وتحرقها، حديث [٢٩، ٣٠/ ١٧٤٦] ، والترمذي [٥/ ٣٨٠] ، كتاب التفسير: باب سورة الحشر، حديث [٣٣٠٢] ، والطبري [١٢/ ٣٤] ، والبيهقي في "دلائل النبوة" [٣/ ١٨٤- ١٨٥] ، من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عله وسلم قطع نخل بني النضير وحرق ولها يقول حسان: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير وفي ذلك نزلت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} [الحشر: ٥] الآية. وقال الترمذي: حسن صحيح. والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" [٦/ ٢٧٨] ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مردويه وابن المنذر.