للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..................................................................................


=والعيب أعم من أن يكون راجعا إلى نقص ووصف كفساد حنطة، وعرج حصان، أو نقص تصرف ككون العبد أعسر أي يعمل بيده الشمال دون اليمين، وككون الأرض عليها حق ارتفاق للغير لا يعلم به المشتري، وهلم جرا من كل عيب ينقص القيمة، أو يفوت به غرض من الأغراض التي يقصد المبيع من أجلها في العادة، وسواء أكانت هذه العيوب جبلية طبيعية، أو طارئة عارضة قضاء وقدرا، أو بفعل فاعل لا فرق بين هذا كله في أن المشتري يثبت له حق فسخ المبيع، أو المطالبة بالعوض من أجله.
والعيب الذي يرد به المبيع فسره الشافعية بما ينقص القيمة، أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح.
وفسره المالكية: بما ينقص الثمن، أو المبيع، أو التصرف، أو تخاف عاقبته كجذام الأبوين، وهو قريب بما لا يتغابن به التجار في العادة، ومن هذا يتضح أن نقص القيمة محل وفاق بين المذاهب.
غاية الأمر شرط الظاهرية أن يكون النقص جسيما لا يسيرا، وأما نقص العين، وإن لم ينقص القيمة ما دام يفوت به غرض صحيح، فهو مما انفرد به الشافعية، والمالكية، وقد اختلفت المذاهب كثيرا في التطبيق تبعا لاختلاف وجهة النظر في تفسير العيب، وللعرف الساري في العصور الذي وضعت فيه هذه المسائل المختلف عليها؛ لأن المرجع فيها أولا وأخيرا إلى العرف، وما دام العرف هو الحكم فلنترك الخوض فيها تاركين الأمر لعرف التجار وأرباب البياعات.
والفسخ بالعيب: هل هو فور الاطلاع على العيب، أم أنه يمتد حتى يوجد دليل الرضا بالبيع.
مذهب الشافعية: أن الرد بالعيب على الفور، فليبادر المشتري بالرد على العادة، فلو كان يأكل فعلم بالعيب، فهو ممهل، حتى يفرغ منه، أو كان في صلاة، فحتى يتمها، وإن علم ليلا وشق عليه الرد فيه، فحتى يصبح، فالمراد من الفورية عندهم هو المبادرة بالرد على العادة، بحيث لا يعذر إذا تأخر، فلو أراد أن يرفع الأمر إلى القاضي فعليه أن يشهد على أنه يريد الفسخ، ولا يكتفي بمجرد إبداء رغبته في إنهاء الأمر إلى القاضي.
وإنمما ذهبوا هذا المذهب؛ لأن الأصل في البيع هو اللزوم، وجواز الفسخ عارض له للحاجة، فيتقدر بقدرها، وهي تندفع بمضي وقت يتمكن فيه من الفسخ، فإذا لم يفسخ لزمه البيع، لأن عدم الفسخ حينئذ دليل الرغبة في إمساك البيع، ولأن خيار العيب ثبت بالشرع، لدفع الضرر عن المال، وكان فوريا كخيار الأخير بالشفعة، فإنه إن لم يطالب بها عقب علمه بالبيع سقط حقه.
ومذهب المالكية به أن السكوت لعذر لا يمنع من الرد مطلقا ولغيره إن كان أقل من يوم رد بلا يمين وإن كان يوما أو يومين رد مع يمينه أنه ما رضي البيع في هذه المدة فإن كان أكثر من ذلك، فلا رد له؛ لأنه في العادة لا يؤخر مثل هذا الزمن إلا وقد رضي البيع، فلا تسمع منه دعوى عدم الرضا فيما بعد، لأن الظاهر يكذبه.
ومذهب الحنفية، والحنابلة على الصحيح عندهم: أن الفسخ بالعيب يستمر حقا للمشتري من وقت العلم بالعيب إلى أن يرضى بالبيع صراحة كرضيت البيع، أو دلالة لبسه الثوب المبيع لأنه خيار شرع، لدفع ضرر محقق عمن شرع له، فكان على التراضي كخيار القصاص لولي القتيل الخيار بينه وبين الدية، أو العفو على سبيل التراضي.==

<<  <  ج: ص:  >  >>