للنّصب وجهين، قال: فمن نصبه، فعلى ضربين أحدهما: أن يكون بدلًا من "لا" لأنَّ "لا" موضوعة للبخل، فكأنه قال: أبى جُودُه البخل. والآخر أن تكون "لا" زائدة حتى كأنّه قال: أبى جُودُه البخل لا على البدل، لكن على زيادة لا، والوجه هو الأوَّل، لأنّه قد ذكر بعدها نعم، ونعم لا تزاد، فكذلك ينبغي أن تكون "لا" هنا غير زائدة. والوجه الآخر على الزّيادة صحيح أيضًا لجري ذكر لا في مقابلة نعم، وإذا جاز لـ "لا" أن تعمل وهي زائدة في قوله:
لوْ لمْ تكُنْ غَطَفانُ لا ذُنُوبَ لها ... إليَّ لامَتْ ذَوو أحْسَابها عَمَرا
كان الاكتفاء بلفظها من غير عمل له أولى بالجواز، ومن جرَه فبإضافة "لا" إليه، لأنَّ "لا" كما تكون للبخل قد تكون للجود أيضًا، فلمّا كانت "لا" قد تصلح للأمرين جميعًا، أضيفت إلى البخل لما في ذلك من التّخصيص الفاصِل بين المعنيين الضّدّين. فإن قلت: فكيف تضيفها وهي مبنيّة؟ ألا تراها على حرفين، الثاني حرف لين، وهذا أدلّ شيءٍ على البِناءِ؟ قيل: الإضافة لا تنافي البناء، بل لو جعلها سببًا له لكان أعذر من أن يجعلها نافية له، وقد قالوا: كم رجلٍ قد رأيت! "فكم" مبنيّة وهي مضافة. وقالوا: لأضْرِبنَّ أيُّهُمْ أفضَلُ، وهي مبنيّة عند سيبويه انتهى كلامه، واقتصر ابن السّكيت في "أبيات المعاني" على رواية الجرّ، قال: جعل "لا" اسمًا وأضافها إلى البخل، ونصب الجوع وقاتله؛ يريد: لا يمنع الجائعِ الخبزَ، كأنّه قال: لا يمنع الجوعَ دواءَه ودواءُ الجوع الخبز. انتهى، وسيأتي أنه ليس في هذا كبير مدح.
وكذلك اقتصر على رواية الجرّ أبو علي في "المسائل العسكريّة" قال: وما يجري مجرى "فم" في الإضافة في كونه على حرفين آخرهما حرف لين قولهم: ذو مال، ومنه أيضًا ما حكاه أبو الحسن عن يونس عن أبي عمرو من أنّه كان ينشد: أبي جوده لا البخلِ. فهذا على قول أبي عمرو مضاف، فإذا أضافه، فقد جعله اسمًا، وإذا