أنشده الفراء في "تفسيره" عند قوله: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} قال: قرأه عبد الله: {ولسيعطيك ربك فترضى} قال: والمعنى واحد، إلا أن سوف كثرت في الكلام وعرف موضعها، فترك منها الفاء والواو، والحرف إذا كثر فربما فعل به ذلك، كما قيل: أيشٍ تقول، وكما قيل: قم لاباك، وقم لا بشانئك، يريدون: لا أبا لك، ولا أبا لشانئك. وقد سمعت بيتًا حذفت الفاء فيه من كيف، قال الشاعر:
من طالبين لبعران لنا رفضت ... كي لا يحسّون من بعثراننا أثرا
أراد: كيف لا يحسُّون، وهذا كذلك. انتهى.
وأنكر أبو علي في "البغداديات" حذف الفاء من كيف، وحتم أن تكون كي فيه بمعنى اللّام، قال: أنشد أبو بكر عن ابن الجهم في الفرّاء:
من طالبين لبعران لهم شردت ... كيما يحسون من بعرانهم خبرا
قال الفراء: أراد كيف، فرخم. قال أبو بكر: وهذا خطأ، وهو كما قال، وبسطه: أنّ كيف اسم يمتنع ترخيمه من غير وجه: أحدها أنه اسم ثلاثي، والثلاثي لم يجئ مرخمًا إلَّا ما كان ثالثه تاء تأنيث. والآخر: أنه منكور، والمنكور لا يرخم كما لا يبني، والترخيم أبعد من البناء، فإذا امتنع بناؤه كان ترخيمه أشدّ امتناعًا أيضًا، فإن كيف اسم مبني مشابه للحروف والحذف إنما يكون في الأسماء المتمكنة والأفعال المأخوذ منها، ولا يكون في الحروف، كذلك ينبغي أن لا يكون فيما غلب شبهها، وصار بذلك في حيزها. فإن أراد بالترخيم ما يستعمله النحويون في هذا النوع من المنادى، فهو غير منادى، وإن أراد به الحذف، فهو غير سائغ. فإن قلت: فقد قالوا: لد ولدن، فحذفوا منه وهو غير متمكن، فكذلك يسوغ الحذف من كيف. فالجواب: أنه لا يسوغ الحذف من حيث حذف من لدن، وذلك أنّ "لدن" لما فتح ما قبل النون منها وضم، ونصب الاسم بعدها في قولهم: لدن غدوة، ضارع