للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله، فما الذي اذكر منكم يا أهل العراق وما الذي أتوقع وما الذي استبقيكم له، إن بعثتكم إلى الثغور جبنتم، وإن أمنتم رجعتم، وإن خفتم نافقتم، لا تجزون بحسنة ولا تشكرون نعمة، هل استنبحكم نابح واستغواكم غاو واستخفكم ناكث واستفزكم عاص إلا بايعتموه وتابعتموه وكيفتموه وأجلبتم حوله؟! وهل شغب شاغب، ونعب ناعب، وظهر كاذب إلا كنتم أشياعه وأنصاره، يا أهل العراق لم تنفعكم التحارب وتحكمكم المواعظ عن سوء ما أتيتم واجتنيتم، ولا انتفعتم بالعبر في الوقائع، ولا وزعتكم موارد الأمور ومصادرها، ثم يا أهل الشام أنا لكم كالظليم المحافظ على فراخه ينفي عنهن القذر، ويباعد المدر، ويكنفهن عند المطر، ويحرسهن من الذباب. أنتم العدة والجنة إن حارب محارب وجانب مجانب، وما أنتم إلا كما قال نابغة بني جعدة:

تحين المنايا بأيديكم … ومن يك ذا أمل يكذب (١)

قالوا: ولم يدخل في الأمان إلا نحو من ألف، فأمر الحجاج مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي بتوبيخهم وتصغير أنفسهم إليهم فجلس على كرسي يبايعهم ويوبخهم ويشتمهم، حتى جاء زهير بن مسلم الأزدي، وكان قد ولاه قبل ذلك ميسان، فقال الحجاج: يا هؤلاء ألا أعجبكم هذا الذي عهدي في يده ولم يجف خاتمه، ثم خرج علي.

وركب الناس وجوههم إلى المدائن حتى اجتمعوا إلى ابن الأشعث بمسكن وهو من الأهواز.


(١) في ديوان النابغة ص ٣٠:
وحانت منايا بأيديكم … ومن يك ذا أجل يجلب