إذا العفو لم ينفع ولم يشكر امرؤ … وجاشت صدور منكم حشوها الغمر
فكيف أداوي داءكم ودواؤكم … يكون لكم داء فقد عسر الأمر (١)
المدائني عن جويرية بن أسماء قال: ذكر معاوية يوما الوليد بن عقبة فتنقّصه أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه وقال: إنّه يرى أنّه أحقّ بما أنت فيه منك لمكانه من عثمان، أخيه لأمّه، فلم يجبه معاوية رضي الله تعالى عنه، وبلغ الوليد فدخل عليه فقال: يا معاوية إذا دبّت الرجال إليك فينا بالباطل فلا تقبل منهم ما لا تعرفنا به، وخذ منّا عفو طاعتنا، ولا تجشّمنا ما لا نريد، فقال معاوية رضي الله تعالى عنه: إنّي لا أقبل فيكم إلا ما أعرفكم به، وكلّ ذنب عنكم موضوع ما خلا القدح في هذا الملك.
وحدثني أبو مسعود عن عوانة قال: دخل عدّي بن حاتم الطائي على معاوية فقال له ابن الزبير: يا أبا طريف متى ذهبت عينك؟ قال: يوم فرّ أبوك وقتل خالك - يعني طلحة لأنّه من بني تيم - وضربت على قفاك، وأنا مع الحقّ وأنت مع الباطل، فقال معاوية: ما بقي من حبّك لعلي؟ قال:
هو على ما كان وكلّما ذكر زاد، فقال معاوية: يا أبا طريف ما نريد بذكرك له إلا خلافه، قال: إنّ القلوب إذا بيدك يا معاوية، فقال معاوية: إنّ طيّئا كانوا لا يحجّون البيت ولا يعظّمون حرمته، فقال عديّ: كنّا كما قلت إذ كان البيت لا ينفع حجّة ولا يضرّ تركه، فأمّا إذ نفع وضرّ تركه فإنّا نغلب الناس عليه، وكانت طيء وخثعم لا يحجّون فكانوا يدعون الأفجران.
(١) - في عيون الأخبار - لابن قتيبة - ط. دار الكتب المصرية، ج ٣ ص ١٥٩ - ١٦٠: «وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشا».