للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معاوية: اجلس فما أنت والكلام؟! والله لكأنّي أنظر إلى بيتك بفخّ (١) تهفو الريح بجوانبه، بفنائه تيس وبهمة وأعنز، درّهنّ نزر يحلبن في مثل محارة ألقاها الموج، فقال: يا معاوية رأيت ذلك في شرّ زمان، وكان تحت ما رأيت حسب كريم غير دنس، فهل رأيتني قتلت مسلما وانتهكت محرما؟ قال:

وأين أنت حتى أراك وأنت لا تبرز إلاّ في خمار، وأيّ مسلم تقوى عليه حتى تقتله، اجلس لا جلست، قال: لا أجلس ولكنّي سأذهب عنك إلى أبعد أرض وأسحقها، وقام الرجل فولّى، فقال معاوية: ردّوه، فردوه فقال:

أستغفر الله، أما لقد رأيتك أتيت رسول الله فسلّمت عليه فرّد عليك، وأهديت إليه فقبل منك، وأسلمت فحسن إسلامك، ولقد غلظ عليك منّا القول، فاذكر حاجتك فإنّي أعطيك حتى ترضى.

المدائني عن عبد الله بن سلم قال: خطب معاوية الناس فذكر تولية عمر أيّاه ثم قال: فو الله ما خنت ولا كذبت، ثم وليت هذا الأمر فتقدّمت وتأخّرت، وأصبت وأخطأت، وأحسنت وأسأت، فقام اليه رجل من كنانة يقال له سلمة (٢) فردّ قوله، فقال له: وما أنت وذاك؟! كأنّي أنظر إلى حفش بيتك مربوطا بطنب منه تيس، وبطنب بهمة، والريح تخفق به كأنّه جناح نسر، ولك أعنز تحتلب في مثل قواره حافر عير، قال: رأيت ذلك في زمن علينا لا لنا، أما والله إنّ حشوه لحسب غير دنس؛ ثم ذكر باقي الحديث.


(١) - فخ: واد بمكة. معجم البلدان.
(٢) - هو سلمة بن الخطل العرجي: انظر العقد لابن عبد ربه - ط. القاهرة ١٩٥٣ ج ٤ ص ١٠٠