للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تهيّأ، ويفتح له أبوابه فيدخل منزله ومعه عدة من إخوانه، فإذا حضر طعامه وقف قهرمانه فقال: قد هيّئ في المطبخ كذا وكذا وكذا، ليعلموا ما يؤتون به من الطعام فيبقي الرجل نفسه لما يشتهيه، وكانت أيديهم تغسل بالاشنان قبل الأكل ويقول: ان الأيدي تقع في الحار والبارد ولا يؤمن ان يتحلل في ذلك شيء من وسخها مما لا ينقيه الغسل بالماء وحده.

وحدثني المدائني عن ابن جابان، قال: كان ابن المقفّع ظريفا مزّاحا ذا دعابة، فكان بعض من يحسده يقول: إن أدبه أكثر من عقله. وقال ابن المقفّع يوما لغلامه، وسمعه يقول: ما أكثر الدخّان، فقال: ويلك لا تقل الدخّان. إنما هو الدخان (١). ثم سمع يوما كلاما فقال: ما هذا الذي اسمع؟ فقال الغلام: هذا كلام قوم جلوس على الدكان (٢)، فضحك وقال: أنا كنت أعجب منك يا بني. وسمع يوما بعض ولد اسماعيل بن علي يقول: أعطوني برذوني الأسود، فقال له: لا تقل هذا وقل برذوني الأدهم، فلما أتي ببرذونه قال: هاتوا طيلساني الأدهم، فقال له: إنّ عناء تقويم ما لا يستقيم.

وحدثني المدائني، قال: كان ابن شبرمة يقول: في الناس رائدان كاذب وصادق، فأمّا الكاذب منهما فسلم بن قتيبة، رآني ملزوما بدين عليّ فسألني عن خبري فأعلمته إياه فمضى ولم يكن عنده ما يرجوه الصديق من صديقه، وأما الصادق فابن المقفع مرّبي وأنا على حالي تلك فصفحني وأسرع السير، فلم ألبث أن جاءني رسوله بحقّ فيه حليّ وجوهر فقال لي: يقريك


(١) - في هامش الأصل: «يعني بتخفيف الخاء».
(٢) - في هامش الأصل: «يعني بتخفيف الكاف».