قوله:"والذي أختارُهُ، أنَّ الرِّواية المُرسَلة، أو الموقُوفَة تُؤيِّدُ الرِّوايةَ المتصلةَ المرفُوعَةَ، ولا تَكُون تعليلًا لها أصلًا" ا. هـ.
وهو ما ذهب إليه ابنُ حَزمٍ قبل ذلك.
فقد احتجَّ مَن صحَّح الحديث بدليلين:
الأوَّل: أنَّ الوقف لا يُخالِفُ الرَّفع.
الثَّاني: أنَّهُ لا مانع أن يكُون الحديث عند الأعمش على الوجهين.
أمَّا بالنَّسبة للدَّليل الأوَّل.
فالأصل أنَّه إذا اتَّحَدَ مَخرَجُ الحديث، واختَلَفَ الرُّواةُ في الرَّفع والوقف، أن يُنظَر إلى حِفظِ الرُّواة، وعَدَدِهم، وخُصُوصِيَّتِهم في شُيوخهم، فيُحكَمُ للواصِلين أو المُرسِلِين بحَسْبِ ذلك. والأصل في ذلك، أنَّ الوقفَ يكُونُ علَّةً للموصُول، والعكس.
وأمَّا الدَّليل الثَّاني.
فنَعَم، لكن إذا انفرد ابنُ فُضيلٍ عن سائر أصحاب الأعمش المُختَصِّين به، وتَكلَّم فيه بعضُ أهل العِلم، كان ذلك سببًا للتَّوقُّف في الحُكم لروايته. وابن فُضيلٍ ثقةٌ، ولكن نَقَلَ ابنُ سعدٍ أنَّ بعضَهم لا يَحتَجُّ به. ولو أَرَدنَا أن نُهدِر مثلَ هذا الجرح، ونقول:"لا نَعرِفُ مَن الذي لا يَحتَجُّ به"، فإِنَّ الثِّقة الذي ليس عليه أدنى مَغمَزٍ، يَرُدُّ النُّقَّاد بعض حديثه، مثل مالكٍ، وابنِ عُيَينَة، والثَّوْريِّ، والزُّهرِيِّ، ونحوِهم من الثِّقات، فلا يُقالُ:"كيف تَرُدُّون روايته وهو ثقةٌ؟! "، ولا مانع للحُكم للثِّقة إذا خالَف، إذا ظَهَرَ أنَّهُ حَفِظَ.