قال العُلماء: إنما خَصَّ الثَّيِّبَ، لكونها التي يُدخَل إليها غالبًا، وأمَّا البِكر فمصُونَةٌ، مُتَصَوِّنَةٌ في العادة، مُجانِبةٌ للرِّجال أشدَّ المُجانَبة، فلم يَحتَج إلى ذِكرِها، ولأنَّه من باب التَّنبيه، لأنَّه إذا نَهَى عن الثَّيِّب، التي يَتَساهل النَّاسُ في الدُّخول عليها في العادة، فالبِكر أولَى. فالكلامُ إذن خَرَجَ مَخرَج الغالب، فلا يكون له مفهومٌ، وهذا كقولِه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}[آل عمران: ١٣٠]، فلا يُقال:"يحلُّ أكلُه ضِعفًا واحدًا".
ومثلِ قوله تعالى:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}[النور: ٣٣]، فلا يُقال:"إذا لم يُرِدن تحصُّنًا يَجُوزُ إكراهُهُنَّ على البِغاء". وكقولِه تعالى في آية المُحرَّمات من النِّساء:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}[النساء: ٢٣]، فقولُه تعالى:{فِي حُجُورِكُمْ} قيدٌ خرج مَخرَج الغالِب؛ وذلك أن المرأة المُطلَّقة، أو التي مات زوجُها، عادةً ما تأخذُ ابنتها مِن زوجها إلى بيت زوجها الثَّاني، فتكونُ في حِجرِ الزَّوج، فلا يُقال:"إذا لم تَكُن في حِجرِه يجوز له أن يتزوَّجَها"؛ لأنَّها مُحرَّمةٌ عليه، سواءٌ كانت في حِجرِه أو لا، وهذا ما ذَهَب إليه سائرُ أهل العِلم، إلَّا طائفةً قليلةً مِنهُم. وكقولِه - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصومُ المرأةُ وزوجُها شاهدٌ، إلَّا بإذنه"، فقوله:"شاهدٌ" قيدٌ خرج مَخرَج الغالِب؛ لأنَّه قد يَحتاجُ إلى ما يَحتاجُهُ الرَّجلُ، أمَّا في حال سَفَرِه، فتنتفَي حاجَتُه، فلا يُقال:"يجوز لها أن تصوم وهو مسافرٌ، رغم أنفه"؛ فلو أنَّه أَمَرَها أن تُفطِر حال سَفَرِه، لوَجَب عليها الفِطرُ، ولكنَّ الكلام خرج مَخرَج الغالب. والأمثلةُ على ذلك تطولُ.