للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل لا بد أن يثبتوا عدم امتناعه فطرة، ثم إذا ثبت عدم امتناعه فلا بد أن يثبتوا وجوده أيضاً، ثم إن ثبت الأمران فبقي لهم أن يثبتوا معارضته لما جاءت به النصوص من علو الله سبحانه.

فإن ثبت امتناعه بالفطرة فهذا كاف في بيان فساده، ثم إن ثبت عدم إمكان وجوده وثبوته فلا فائدة منه حينئذ، ثم لو فرض عدم امتناعه ووجوده في الخارج، فإنه مع ذلك لا يتعارض مع كون الله -عز وجل- في العلو، فحينئذ لا يكون هناك تعارض بين النصوص الشرعية وما ذكروه من أمور عقلية.

وإذا ثبت فساد مقدمة من هذه المقدمات فقد فسد قولهم، فكيف إذا ثبت فسادها جميعها وهو الواقع؟!

فتبين أن قولهم في غاية البعد وغاية الفساد، وأن بينهم وبين تقريره خرط القتاد! (١)

٢) أن الحجج التي اعترض بها الرازي وأشباهه من نفاة العلو، ما هي إلا حجج نظرية عقلية والإقرار بعلو الخالق -جل وعلا- ضروري بديهي فطري، والضروريات لا يمكن القدح فيها بالنظريات، وكل نظرية تعارض أمراً بديهياً، فإنما هي سفسطة لا غير (٢)، وأيضاً فإن القدح في البديهيات قدح في النظريات؛ لأن النظريات لا تصح إلا بصحة البديهيات، فيلزم من فساد البديهيات فساد النظريات من باب أولى (٣).

٣) أن ما عارضوا به دليل الفطرة ما هو في الحقيقية إلا من باب الوهم والخيال الباطل؛ فإن من اعتقد أن الكليات الذهنية الثابتة في العقل موجودة في الخارج، فقد توهم وتخيل ما لا حقيقة له في الواقع، ثم عارض الحقائق البديهية الفطرية بهذا الخيال المتوهم، فكيف تكون القضايا التخيلية الوهمية قادحةً في القضايا


(١) انظر: درء التعارض (٦/ ١١ - ١٢).
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل (٦/ ١٤، ١٨).
(٣) انظر: المصدر السابق (٦/ ١٢٢).

<<  <   >  >>