للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألتين، فصوروا الخلاف الواقع في جواز أن يتكلم الله بكلام له معنى ولكن لا تدركه عقول العباد وأفهامهم، بأن الله يتكلم بكلام لا معنى له أصلاً، قال شيخ الإسلام: «وهذا لم يقله مسلم (إن الله يتكلم بما لا معنى له)، وإنما النزاع هل يتكلم بما لا يفهم معناه؟ وبين نفي المعنى عند المتكلم ونفي الفهم عند المخاطب بون عظيم» (١). فغلطوا في تصوير المسألة وأخطأوا في تحرير محل النزاع.

وقد بين جماعة من شراح الأصول هذا الخلط الذي وقع للرازي ومنهم العلامة الزركشي حيث قال: «واعلم أن الرازي ترجم المسألة في المحصول: بأنه يجوز أن يتكلم الله ورسوله بشيء، ولا يعني به شيئا.

ثم استدل بما يقتضي أن الخلاف في التكلم بما لا يفيد، وبينهما فرق، فإنه يمكن أن يعني به شيئاً، وهو يفيد في نفسه، ويمكن أن يفيد ولا يعني به شيئاً، فمحل النزاع غير منقح» (٢).

وبين القرافي (٣) أن الصواب أن يقال في المسألة: «لا يجوز أن يتكلم الله تعالى بما لا يفهم» ولا يقال: بما لا معنى له؛ لأن هذا متفق على امتناعه (٤). قال ابن النجار الحنبلي (٥) معلقاً على كلام القرافي: «وما قاله ظاهر؛ لأنه لا يخالف فيه إلا جاهل أو معاند؛ لأن ما لا معنى له هذيان لا يليق أن يتكلم به عاقل. فكيف بالباري سبحانه وتعالى؟» (٦).


(١) مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٨٦).
(٢) البحر المحيط في أصول الفقه (٢/ ١٩٩).
(٣) هو أحمد بن إدريس المشهور بالقرافي، الفقيه الأصولي شهاب الدين الصنهاجي، انتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب مالك، ونسب إلى القرافة ولم يسكنها، من مصنفاته: التنقيح، وأنواء الفروق، (ت:٦٨٤ هـ). انظر: الوافي بالوفيات (٦/ ١٤٦) والديباج المذهب (١/ ٢٣٦).
(٤) نفائس الأصول في شرح المحصول (٣/ ١٠٦٠).
(٥) محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، تقي الدين أبو البقاء، الشهير بابن النجار: فقيه حنبلي مصري. له مصنفات أهمها: منتهى الإرادات في الفقه الحنبلي (ت: ٩٧٢ هـ). انظر: الأعلام للزركلي (٦/ ٦) ومعجم المؤلفين (٨/ ٢٧٦).
(٦) مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (٢/ ١٤٤).

<<  <   >  >>