للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولغيره، ولما ينفى عنه وعن غيره، لا يماثله غيره في إثبات شيء ولا في نفيه، بل المثبت له من الصفات الوجودية المختصة بالله التي تعجز عقول البشر عن معرفتها، وألسنتهم عن صفتها، ما لا يعلمه إلا الله، مما لا نسبة إلى ما علموه من الأمر المشتبه المشترك إليه.

والمنفي عنه لابد أن يستلزم وصفاً ثبوتيًّا -كما قررنا هذا في غير هذا الموضع- ومنافاته لذلك المنفي وبعده عنه، ومنافاة صفاته الوجودية له، فيه من الاختصاص الذي لا يشركه فيه أحد ما لا يعلمه أيضاً إلا هو.

بخلاف لفظ التشبيه فإنه يقال على ما يشبه غيره ولو من بعض الوجوه البعيدة، وهذا مما يجب القول به شرعاً وعقلاً بالاتفاق، ولهذا لما عرف الأئمة ذلك، وعرفوا حقيقة قول الجهمية، وأن نفيهم لذلك من كل وجه مستلزم لتعطيل الصانع ووجوده؛ كانوا يبينون ما في كلامهم من النفاق والتعطيل، ويمنعون عن إطلاق لفظهم العليل؛ لما فهموه من مقصودهم، وإن لم يفهمه أهل الجهل والتضليل» (١).

رابعاً: أن لفظ التشبيه الذي ينفونه عن الله عز وجل، ويحرصون على نفيه، هم أنفسهم مختلفون فيه، وليس لهم ضابط محدد فيه؛ فلذلك تجدهم يرد بعضهم على بعض، وينقض بعضهم ما يثبته البعض، بحجة أن هذا تشبيه ينزه الله عنه، قال شيخ الإسلام: «فطرق العلم بنفي ما ينزه الرب عنه متسعة، لا يحتاج فيها إلى الاقتصار على مجرد نفي التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير، الذين تناقضوا في ذلك وفرّقوا بين المتماثلين، حتى إن كل من أثبت شيئًا احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه» (٢).

خامساً: أن إثبات الصفات لا يقتضي مشابهة المخلوقات، بل نفيها عنه يقتضي تشبيهه بالمعدومات؛ ولذلك فقد وقعوا فيما فروا منه، فلا زالوا ينفون عن الله ما يستحقه من الأسماء والأوصاف، حتى شبهوه بالمعدومات بل غلوا في ذلك


(١) بيان تلبيس الجهمية (٦/ ٤٨٤ - ٤٩١).
(٢) التدمرية: (ص: ١٤٠).

<<  <   >  >>