الصفة فرعٌ على العلم بكيفية الموصوف، فإذا قال السائل: كيف صفاتُه؟ فقُلْ: كيف هو في ذاته؟ فإذا قال: لا أعلَمُ كيفيةَ ذاتِه، فقُلْ: لا أعلَمُ كيفيةَ صفاتِه. ونقلَ طائفةٌ منهم القاضي عياض وغيره أن مذهب السلف إمرارُها كما جاءت مع العلم أن الظاهر غير مراد.
قلتُ: يُجمَع بين النقلين بأن «الظاهر» لفظ مشترك، فالذي نقلَ نفيَه نفَى ما يظهر لبعض الناس من التشبيه بصفات المخلوقين، وما يقتضي نقصَ الخالق تعالى، مثل أن يقال: ظاهر قوله «في السماء» أن السماء تَحْوِيه أو تَحْمِلُه. ولا ريبَ أن هذا الظاهر لهذا غير مراد، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى مخلوقاته ولا يَحصُره شيء، سبحانَه وتعالى. بل قد {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[البقرة:٢٥٥]، وهو الذي {يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}[فاطر:٤١]، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزُّمَر:٦٧]، فمن قال: إنه محتاج إلى ما يَحمِلُه ويُقِلُّه، أو أنه في شيء يُحيط به ويُظِلُّه، فهو ضالٌّ مضلّ.
والذين نقلوا إثباتَه أرادوا به ما هو الظاهر اللائق بجلالِ الله تعالى الذي لا يقتضي نقصًا ولا حدوثًا. كما أنهم اتفقوا على أن هذا هو الظاهر في حياته وعلمه وسمعه وبصره وقدرته وإرادته، واتفقوا على أنه موجودٌ حقيقةً حيٌّ حقيقةً عليمٌ حقيقةً قديرٌ حقيقةً متكلمٌ حقيقةً، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته وجرتْ بحوثٌ فيها] (١)، ولو نازع بعض أهل البدع في بعض ذلك، فلا ريب أن الله موجود والمخلوق موجود، ولفظ الوجود سواءً كان مقولاً عليهما: بطريق الاشتراك اللفظي فقط، أو بطريق التواطؤ المتضمن للاشتراك لفظاً ومعنى، أو بالتشكيك الذي هو نوع من التواطؤ. فعلى كل قول: فالله موجود حقيقة، والمخلوق موجودٌ حقيقة، ولا يلزم من إطلاق الاسم على الخالق والمخلوق بطريق الحقيقة محذور.
ولم أُرجح في ذلك المقام قولا من هذه الثلاثة على الآخر؛ لأن غرضي
(١) حكاية المناظرة في الواسطية ضمن جامع المسائل (٨/ ١٨٨ - ١٩٠).