للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تفعل هذا "فإذا اجتمعت الهمّة على ذلك الشيء، وتفرغ القلب لما يلقى فيه، تمكن منه الشيطان، فألقى في قلوبهم ما يلقيه، وتمثل لهم، وقضى بعض حوائجهم، والمتفلسفة الذين لا يعرفون الجنّ، يقولون: هذا كله من قوى النفس، ولكن جمهور الناس الذين قد عرفوا حقيقة الأمر، يعرفون أن الشياطين تفعل من ذلك ما لا تفعل النفس" (١). وقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله- مبيناً هذا الأمر: «وهذا موجود في كثير من أهل زماننا، كما كان بعض الناس يقول لمريديه: توجه إلى قلبك وقل: لا إله إلا الله، وليس المقصود الذكر، إنما المقصود أن يجتمع قلبك، فإذا اجتمع قلبه تنزلت عليه الشياطين، فيخيل إليه أنه صعد إلى السماء، وألوان أخر، ويقول أحدهم: حصل لك ما لم يحصل لموسى بن عمران، ولا لمحمد ليلة المعراج، وشخص آخر من كبارهم كان يقول: لا فرق بين قولك: يا حجر يا حجر، وبين قولك: يا حي يا قيوم، يعني أن المقصود بكليهما جمع الهمّة، فهذا وأمثاله من أسرار هؤلاء المشركين.

ومن هؤلاء من يدعو بعض الكواكب، أو بعض الموتى من الأنبياء، والصالحين، أو بعض الملائكة، أو بعض الأوثان، فيرى صورًا: إما صورة بشر، وإما غير صورة بشر، فإنهم يرون أنواعًا من الصور تخاطبهم، وتقضي بعض حوائجهم، فيقولون: هذه روحانية الكوكب، أو سر الشيخ، أو رفيقته، أو نحو ذلك، وإنما ذلك شيطان يضلهم كما كانت الشياطين تضل عبّاد الأوثان، وإلى اليوم، وكانت الشياطين تكلمهم أحيانًا من الأصنام، وأحيانًا يرونها، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (في كل صنم شيطان يتراءى للسدنة فيتكلمون) (٢). وقال أبي بن


(١) قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق (ص: ١٣٧).
(٢) رواه عبد بن حميد في تفسيره (ص:١١٨) برقم (٣٩٥) من رواية الكلبي محمد بن السائب عن ابن عباس، والكلبي كذاب متروك، ولم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه فالأثر ضعيف جداً. انظر: تهذيب التهذيب (٩/ ١٨٠).

<<  <   >  >>