للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقبلونها، وينذرون لها النذور، ويلطخونها الخَلُوق (١)، ويطلبون عندها قضاء حاجاتهم، ويعتقدون أنَّ فيها -أوْ لها- سرًّا، وأن من تعرَّض لها بسوء -بقالٍ أو فعال- أصابته في نفسه آفة من الآفات!

فشرع الشيخ يعيب تلك الأحجار، وينهى الناس عن إتيانها، أو أن يُفعل عندها شيء مما ذُكر، أو أن يُحسَنَ بها الظن.

فقال له بعض الناس: إنه قد جاء في حديث أن أم سلمة سمعت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بالتين والزيتون، فأخذت تينة وزيتونة وربطت عليهما وعلقتهما حِرْزًا. وبقيت كلما جاء إليها أحد به مرض تحطه عليه فيبرأ من ذلك المرض. فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألها عن ذلك، فقالت: سمعتك تقرأ بالتين والزيتون، فقلتُ: ما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك إلا وفيه سرّ أو منفعة، فعملت تينة وزيتونة لي حرزًا، وأحسنت ظني به، ونفعت بذلك الناسَ. فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لو أحسن أحدكم ظنَّه بِحَجَرٍ لنفعه الله به) (٢).

فقال الشيخ: هذا الحديث كله -من أوله إلى آخره- كذب مختلق، وإفك مفترى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى أم سلمة -رضي الله عنها-. والذي صحَّ وثبتَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه عزَّ وجل أنه قال: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني … ) (٣) الحديث، و (أنا عند ظن عبدي بي، فليظنَّ بي خيرًا) (٤)، وقال: (لا يموتنَّ أحدُكم إلا ويحسن ظنَّه بالله) (٥) الذي تفرَّد بخلقه، وأوجده من العدم


(١) الخلوق: طيب معروف من الزعفران وغيره، يخلق به الرجل. انظر: غريب الحديث لإبراهيم الحربي (١/ ٢٥) وتهذيب اللغة (٧/ ١٨).
(٢) سيأتي بيان حال الحديث وكذبه أثناء الدراسة (ص: ٣٥٦).
(٣) رواه البخاري كتاب التوحيد، (٧٤٠٥)، ومسلم كتاب الذكر والدعاء (٢٦٧٥) واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٤) رواه أحمد في مسنده (١٦٩٨٠) والدارمي في سننه (٢٧٧٣) من حديث واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- بلفظ: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٤٣١١).
(٥) رواه مسلم كتاب الجنة، (٢٨٧٧).

<<  <   >  >>