للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان:٣٢ - ٣٣].

وقد أخبر الله تبارك وتعالى عن أولي العزم من الرسل بمجادلة الكفار فقال تعالى: {قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} [هود:٣٢]، وقال عن الخليل: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} [الأنعام:٨٠]، إلى قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام:٨٣].

وأمر الله تعالى محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالمجادلة بالتي هي أحسن، وذم سبحانه من جادل بغير علم، أو في الحق بعدما تبين، ومن جادل بالباطل: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [آل عمران:٦٦]. وقال تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} [الأنفال:٦]، وقال تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر:٥] وهذا هو الجدال المذكور في قوله: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر:٤]» (١).

وأما السنة: فقد دلت السنة بأنواعها القولية والفعلية والتقريرية على مشروعيتها، فمن السنة القولية قوله -صلى الله عليه وسلم-: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) (٢)، قال ابن حزم -رحمه الله-: «وهذا حديث في غاية الصحة وفيه الأمر بالمناظرة وإيجابها كإيجاب الجهاد والنفقة في سبيل الله» (٣).

ومن السنة الفعلية مناظراته ومحاوراته الكثيرة مع المشركين، ومناظرته مع


(١) الجواب الصحيح (١/ ٢٢٩ - ٢٣٠).
(٢) رواه أحمد (١٢٢٤٦)، والنسائي (٣٠٩٦)، وأبو داود (٢٥٠٤)، والحاكم (٢٤٢٧)، وابن حبان (٤٧٠٨) وغيرهم، كلهم من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-. قال ابن عبد الهادي في المحرر (٢/ ٤٣٩): إسناده على شرط مسلم. وقال النووي في رياض الصالحين (ص:٢٨): إسناده صحيح. وصححه الألباني في المشكاة برقم: ٣٨٢١.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (١/ ٢٦)

<<  <   >  >>