للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في حضورهم.

فلما حضرت وجدت النفوس في غاية الشوق إلى هذا الاجتماع، متطلعين إلى ما سيكون، طالبين للاطلاع.

فذكر لي نائب السلطان وغيره من الأمراء بعض ما ذكروه من الأقوال المشتملة على الافتراء، وقال: إنهم قالوا: إنك طلبت منهم الامتحان، وأن يحموا الأطواق نارا ويلبسوها.

فقلت: هذا من البهتان، وها أنا ذا أصف ما كان.

قلت للأمير: نحن لا نستحل أن نأمر أحدًا بأن يدخل نارًا ولا تجوز طاعة من يأمر بدخول النار، وفي ذلك الحديث الصحيح (١).

وهؤلاء يكذبون في ذلك وهم كذابون مبتدعون، قد أفسدوا من أمر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم.

وذكرت تلبيسهم على طوائف من الأمراء وأنهم لبَّسوا على الأمير المعروف بالأيدمري (٢)، ..................................


(١) إشارة إلى حديث علي -رضي الله عنه-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية وأمر عليهم رجل من الأمصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم ناراً، ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطباً فأوقدوا، فلما هموا بالدخول فقام بعضهم ينظر إلى بعض فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فرارًا من النار أفندخلها؟! فبينما هم كذلك إذ خمدت النار، وسكن غضبه فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها أبدًا، إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري برقم (٤٠٨٥) ومسلم برقم (١٨٤٠).
(٢) لعل المراد به الأمير الكبير بدر الدّين بيليك بن عبد الله الصّالحيّ، المعروف بالأيْدمُري أحد مماليك الملك المنصور قلاوون وخواصه، وكان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، (ت: ٦٨٦ هـ). ووجد الملك المنصور عليه وجداً عظيماً عندما مات. انظر: تاريخ الإسلام (١٥/ ٥٩٠، ٥٦٨)، المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي (٣/ ٥١٥)، عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان (٢/ ٣٦٨).
أو الأمير الكبير حسام الدين لاجين الأيْدمريّ، الداوادار، الملقَّب بالدّرفيل. (ت: ٦٧٢ هـ) قال الذهبي: «سمع من سِبْط السِّلَفيّ، وكان مُحِبًّا للعلماء، مُقَرِّبًا لهم، مؤْثِرًا للفُقراء، خاضعًا لهم. له معرفة وفضيلة ومشاركة وذكاء مُفْرِط وهِمّة عالية وَنَفْس شريفة، وكان السّلطان يحبّه ويعتمد عليه فِي المهمّات والمكاتبات وأمر القُصّاد» تاريخ الإسلام (١٥/ ٢٥٥) وانظر: ذيل مرآة الزمان (٣/ ٦٧).

<<  <   >  >>