للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السادس: أن ما ليس مستحبًا في الشرع لا يجوز التعبد به باتفاق المسلمين، ولا اتخاذه طريقًا إلى الله ولا شعارًا لأهل الصلاح (١).

السابع: أنه لا يجوز التدين إلى الله بالأمور المباحة وجعلها مستحبة أو واجبة، فإن المباح إنما يكون مباحا إذا بقي على أصله، أما إذا اتخذ واجبًا أو مستحبًا، كان ذلك دينًا لم يشرعه الله وقد جاء في الوعيد لمن يتخذ دينا لم يشرعه الله الشيء العظيم، فإذا كان هذا في اتخاذ المباحات ديناً فكيف التعبد بالمكروهات والمحرمات؟!

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «ولو سئل العالم عمن يعدو بين جبلين: هل يباح له ذلك؟ قال: نعم. فإذا قيل: إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة. قال: إن فعله على هذا الوجه حرام منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا؛ قُتل.

ولو سئل عن كشف الرأس، ولبس الإزار، والرداء: أفتى بأن هذا جائز، فإذا قيل: إنه يفعله على وجه الإحرام كما يحرم الحاج. قال: إن هذا حرام منكر.

ولو سئل: عمن يقوم في الشمس. قال: هذا جائز. فإذا قيل: إنه يفعله على وجه العبادة. قال: هذا منكر. كما روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً قائماً في الشمس، فقال: (من هذا؟). قالوا: هذا أبو إسرائيل (٢) يريد أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مروه؛ فليتكلم، وليجلس، وليستظل، وليتم صومه) (٣)؛ فهذا لو فعله لراحة أو غرض مباح لم ينه عنه، لكن لما فعله على وجه العبادة نهى عنه.

وكذلك لو دخل الرجل إلى بيته من خلف البيت لم يحرم عليه ذلك، ولكن إذا فعل ذلك على أنه عبادة كما كانوا يفعلون في الجاهلية: كان أحدهم إذا أحرم لم


(١) انظر: المصدر السابق (١١/ ٤٥٠).
(٢) اسمه قشير وهو رجل من الأنصار، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب القصة المشهورة في النذر. انظر: معرفة الصحابة (٤/ ٢٣٦٣) والاستيعاب (٤/ ١٥٩٦) والإصابة (٥/ ٤٢٣).
(٣) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور (٦٧٠٤).

<<  <   >  >>