للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجواب على دعواه يكون من عدة أوجه:

الوجه الأول: أن يقال لهم كذلك في قتال المسلمين للتتار يكون الله هو الذي يقاتل التتار، ويكون الواقع أن الله يقاتل الله -تعالى الله عن ذلك-.

وهذا في غاية التناقض والبطلان والعياذ بالله وهو الذي رد به شيخ الإسلام على هذا الاتحادي المحتج بمثل هذا فقال له: «وإن قدر أنهم كما يقولون فالذي يقاتلهم هو الله ويكون الله يقاتل الله، وقول هذا الشيخ لازم لهذا وأمثاله» (١).

وهكذا يلزمهم في كل فعل من أفعال العباد أن ينسبوه للخالق عز وجل، ولما احتج بعضهم بقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]، على نفي الفعل عن العبد، وأن فعل العبد هو فعل الله في الحقيقة، رد عليه شيخ الإسلام قائلا: «قوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]، لم يرد به أن فعل العبد هو فعل الله تعالى -كما تظنه طائفة من الغالطين- فإن ذلك لو كان صحيحاً لكان ينبغي أن يقال لكل أحد حتى يقال للماشي: ما مشيت إذ مشيت ولكن الله مشى، ويقال للراكب: وما ركبت إذ ركبت ولكن الله ركب، ويقال للمتكلم: ما تكلمت إذ تكلمت ولكن الله تكلم، ويقال مثل ذلك للآكل والشارب والصائم والمصلي ونحو ذلك. وطرد ذلك: يستلزم أن يقال للكافر ما كفرت إذ كفرت ولكن الله كفر، ويقال للكاذب: ما كذبت إذ كذبت ولكن الله كذب. ومن قال مثل هذا فهو كافر ملحد خارج عن العقل والدين» (٢).

وقال كذلك في رده على من احتج بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح:١٠]، على تصحيح هذا القول: «ويلزمك على هذا التقدير أن تقول إن الذين بايعتهم إنما بايعت الله، وطرده أن من قاتل شخصاً فإنما قاتل الله ومن بايعه فإنما بايع الله، بل يلزمهم أقبح من هذا وهو أن من لامسه أو جامعه أو ضاجعه فإنما يفعل ذلك مع الله، فإن أصل هذا القول أن الله لما كان خالقا لأفعال


(١) المصدر السابق (١/ ٣٦٩).
(٢) مجموع الفتاوى (٢/ ٣٣١).

<<  <   >  >>