للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما العقل فهذا الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة إنه أمر لا يعقل ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر ولا يتميز منه شيء عن شيء بحيث يمكن أن لا يرى ولا يدرك ولا يحاط به وإن سماه المسمي جسمًا.

وأيضًا فإن التوحيد إثبات لشيء هو واحد فلابد أن يكون له في نفسه حقيقة ثبوتية يختص بها ويتميز بها عما سواه حتى يصح أنه ليس كمثله شيء في تلك الأمور الثبوتية ولا مجرد عدم المثل، إذا لم يفد ثبوت أمر وجودي كان صفة للعدم فنفي المثل والشريك يقتضي ما هو على حقيقة يستحق بها واحدًا ولهذا فسر ابن كلاب (١) وغيره الواحد بأنه المنفرد عن غيره المباين له وهذا المعنى داخل في معنى الواحد في الشرع، وإن لم يكن إياه.

ولذلك أهل الإثبات من أهل السنة والحديث يصنفون كتب التوحيد يضمنونها ثبوت الصفات التي أخبر بها الكتاب والسنة؛ لأن تلك الصفات في كتابه تقتضي التوحيد ومعناه.

وأما الشرع فنقول مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن والسنة وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم يُعرّف مسميات تلك الأسماء حتى يعطوها حقها ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات وسلب إدراكه بالحواس ولا نفي الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدع نفيها الجهمية وأتباعهم ولا يوجد نفيها في كتاب ولا سنة ولا عن صاحب ولا أئمة المسلمين» (٢).


(١) هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان البصري، رأس المتكلمين في البصرة في عصره، صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة، وربما وافقهم، كان يلقب: كلابا؛ لأنه كان يجر الخصم إلى نفسه ببيانه وبلاغته. وهو أول من أحدث القول بالكلام النفسي. من مصنفاته "الصفات" و"خلق الأفعال" (ت:٢٤١ هـ). انظر: السير (١١/ ١٧٤) تاريخ الإسلام (٥/ ٩٨١) الوافي بالوفيات (١٧/ ١٠٤).
(٢) بيان تلبيس الجهمية (٣/ ١٤٢ - ١٤٩).

<<  <   >  >>