للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا ليس في كتاب الله آية واحدة يمدح فيها أحداً بنسبه، ولا يذم أحداً بنسبه، وإنما يمدح الإيمان والتقوى ويذم بالكفر والفسوق والعصيان. وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح، أنه قال: (أربع من أمر الجاهلية في أمتي لن يدعوهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة، والاستسقاء بالنجوم) (١)» (٢).

رابعاً: أن فضيلة النسب إنما هي فضيلة باعتبار الجنس والنوع لا باعتبار الأشخاص والأفراد، فيقال إنَّ جنس العرب أفضل من جنس العجم، وإن جنس الرجال أفضل من جنس النساء، ولكن قد يوجد من النَساء من هي أفضل من ألوف الرجال كمريم وفاطمة وعائشة، وقد يوَجد من العجم ما هوَ أفضلُ من ألوف العرب كصهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي وغيرهم؛ فإنَ كل واحدٍ منهم أفضلُ من آلافٍ من العرب بل أفضلُ من آلافٍ من قريش وبني العباس والأشراف، وهذا باعتبار الأفراد والأشخاص، فشرف النسب إنما هو فضيلة بالنوع، والفضيلة بالنوع لا تستلزم أن يكون صاحبها أفضل مطلقاً (٣).

قال شيخ الإسلام رحمه الله: «الفضيلة بالنسب فضيلة جملة، وفضيلة لأجل المظنة والسبب، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية، فالأول يفضل به؛ لأنه سبب وعلامة، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد.

والثاني: يفضل به؛ لأنه الحقيقة والغاية، ولأن كل من كان أتقى لله كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا، لأن الحقيقة قد وجدت، فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلا يستدل بالأسباب والعلامات» (٤).


(١) رواه مسلم باب: التشديد في النياحة. برقم (٩٣٤).
(٢) الفتاوى الكبرى (١/ ١٧٢)، مجموع الفتاوى (٣٥/ ٢٣٠)، وانظر: مجموع الفتاوى (١١/ ١٢٥).
(٣) انظر: مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب (ص: ٣٥).
(٤) منهاج السنة (٤/ ٦٠٣ - ٦٠٤).

<<  <   >  >>