فإذا علم هذا، وتقرر أن اللفظ الواحد قد يدل على معان كثيرة بالاحتمال "فـ" إن "الفهم لـ" ما يدل عليه "الخطاب" من معنى مقصود به "باستقلال" وتفرد لا يتأتى على الوجه الصحيح من جهة ما قد يحتمله ويصلح للدلالة عليه من معنى، وإنما "عمدته" والوسيلة إليه "مقتضيات" وقرائن "الحال" الذي صيغ ذلك الخطاب على وفقه.
"و" لذلك كان "جهلها" أي جهل هذه المقتضيات والأحوال "يوقع في" الخطإ في فهم المراد من الخطاب وفي "الإشكال" من جهة تعارض الاحتمالات في شأنه "واللبس" - بفتح اللام - هو أن يظهر خلاف المراد "والإبهام" للمعنى المقصود "و" هو "الاجمال" - بكسر الهمزة - ولذلك فإن البحث عما يدرأ هذا من معرفة القرائن الحالية والدلالات المضمرة في الكلام ومنها أسباب التنزيل، أمر ضروري، وعدم المبالاة بذلك مفض إلى الوقوع في الإشكالات والشبه، والإجمال، وذاك موجب للوقوع في الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع.
ويوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيد عن إبراهيم التيمي: "قال: خلا عمر ذات يوم فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة؛ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيم نزل وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا.
قال: فزجره عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ونظر عمر فيما قال، فعرفه، فأرسل إليه، فقال، أعد عليّ ما قلت، فأعاده عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه، وما قاله صحيح في الاعتبار، ويتبين بما هو أقرب. فقد روى ابن وهب عن بكير أنه سأل نافعا كيف رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال: يراهم شرار خلق الله، أنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عباس عليه، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن.
وروي أن مروان أرسل بوابه إلى ابن عباس، وقال قل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا، لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه