تعالى:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة: ١٧٧] وهكذا إلى تمام ما ذكر في السورة من الأحكام. وقوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[النِّسَاء: ٣٦] إلى غير من ذلك من الآيات الآمرة بالعبادة على الإطلاق وبتفاصيلها على العموم، فذلك كله راجع إلى الرجوع إلى الله في جميع الأحوال والانقياد إلى أحكامه على كل حال. وهو معنى التعبد لله.
"و" كذلك من دليل ما ذكر "ما أتى" من النصوص الشرعية "في ذم كل متبع هواه" منقاد له، وهو "إذ" أي حين حصل له "ذاك" الإتباع متلبس "بضد ما" قد "شرع" من الأفعال. ومن ذلك قوله - تعالى -: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦] وقوله - سبحانه -: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩)} [النَّازعَات: ٣٧ - ٣٩] وقال في قسيمه:
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)} [النَّازعَات: ٤٠ - ٤١] وقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النّجْم: ٣ - ٤] فقد حصر الأمر في شيئين: الوحي، وهو الشريعة، والهوى، فلا ثالث لهما، وإذا كان كذلك فهما متضادان، وحين تعين الحق في الوحي توجه للهوى ضده، فاتّباع الهوى مضاد للحق، وقال تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}[الجاثية: ٢٣].
وقال:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}[المؤمنون: ٧١] ١٠٨] وقال. {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد: ١٦] وقال: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٤)} [محمد: ١٤] وتأمل فكل موضع ذكر الله تعالى فيه الهوى فإنما جاء به في معرض الذم له ولمتّبعيه، وقد روي هذا المعنى عن ابن عبّاس أنّه قال: ما ذكر الله الهوى في كتابه إلّا ذمه، فهذا كله واضح في أن قصد الشارع الخروج عن اتباع الهوى، والدخول تحت التعبد للمولى.
والثالث: ما علم بالتجارب والعادات من أن المصالح الدينية والدنيوية لا تحصل مع الاسترسال في اتباع الهوى، والمشي مع الأغراض، لما يلزم في ذلك من التهارج والتقاتل والهلاك، الذي هو مضاد لتلك المصالح، وهذا معروف عندهم بالتجارب والعادات المستمرة، ولذلك اتفقوا على ذم من اتبع شهواته، وسار حيث سارت به؛ حتى