للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعَنه اللَّهُ، فيَجْعَلُ ﴿أُنَبِّئُكُمْ﴾ عاملًا (١) في ﴿مَنْ﴾ واقعًا عليه.

وأما معنى قولِه: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ فإنه يعنى: مَن أبْعَدَه اللَّهُ وأَسْحَقه مِن رحمتِه، ﴿وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾ يقولُ: وغضِب عليه وجعَل منهم المُسوخَ؛ القِرَدةَ والخَنازيرَ، غضَبًا منه عليهم وسُخْطًا، فعجَّل لهم الخِزْيَ والنَّكالَ في الدنيا.

وأما سببُ مَسْخِ اللَّهِ مَن مسَخ منهم قِرَدةً، فقد ذكَرْنا بعضَه فيما مضَى مِن كتابِنا هذا، وسنَذْكُرُ بقيتَه إن شاء اللَّهُ في مكانٍ غيرِ هذا (٢).

وأما سببُ مَسْخِ اللَّهِ مَن مسَخ منهم خَنازيرَ، فإنه كان فيما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ بنُ الفضلِ، عن ابن إسحاقَ، عن عمرَ (٣) بن كَثيرِ بن أفْلَحَ مولى أبى أيوبَ الأنْصاريِّ، قال: حُدِّثْتُ أن المسخَ في بنى إسرائيلَ مِن الخنازيرِ كان أن امرأةً مِن بني إسرائيلَ كانت في قريةٍ مِن قُرى بني إسرائيلَ، وكان فيها مَلِكُ بني إسرائيلَ، وكانوا قد اسْتَجْمَعوا على الهَلَكةِ، إلا أن تلك المرأةَ كانت على بقيةٍ مِن الإسلامِ مُتَمَسِّكةً به، فجعَلت تَدْعُو إلى اللَّهِ حتى اجْتَمَع إليها ناسٌ فتابَعوها على أمْرِها، قالت لهم: إنه لابدَّ لكم مِن أن تُجاهِدوا عن دينِ اللَّهِ، وأن تُنادُوا قومَكم بذلك، فاخْرُجوا فإنى خارجةٌ. فخرَجَت وخرَج إليها ذلك المَلِكُ في الناسِ، فقتَل أصحابَها جميعًا، وانْفَلَتَت مِن بينِهم. قال: ودَعَت إِلى اللَّهِ حتى تَجَمَّعَ الناسُ إليها، حتى إذا رضِيَت منهم أمَرَتْهم بالخروجِ، فخرَجوا وخرَجَت معهم، وأُصِيبوا جميعًا وانْفَلَتَت مِن بينِهم. ثم دَعَت إلى اللَّهِ، حتى إذا اجْتَمَع إليها رجالٌ، واسْتَجابوا لها،


(١) في ص: "علاما"، وفى م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "على ما". والمثبت ما يقتضيه السياق.
(٢) ينظر ما تقدم في ٢/ ٥٩ - ٦٥، وما سيأتي في ١٠/ ٥١٢ وما بعدها.
(٣) في النسخ: "عمرو". وينظر تهذيب الكمال ٢١/ ٤٩١.