للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خيرًا مِن المرتدِّين لقتالِ المرتدِّين، وإنما أخْبَر أنه سيَأْتِيهم بخيرٍ منهم بدلًا منهم، فقد (١) فعَلَ ذلك بهم قريبًا غيرَ بعيدٍ، فجاء بهم على عهدِ عمرَ، فكان موقعُهم مِن الإسلامِ وأهلِه أحسنَ موقعٍ، وكانوا أعْوانَ أهلِ الإسلامِ، وأنْفعَ لهم ممَّن كان ارْتَدَّ بعدَ رسولِ الله الله من طَغَامِ الأعْرابِ وجُفاةِ أهلِ البَوادِى الذين كانوا على أهلِ الإسلامِ كَلًّا لا نفعًا.

واخْتَلَفَت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾؛ فقرَأَته قَرأَةُ أهل المدينة: (يا أَيُّها الذين آمنوا من يَرْتَدِدْ منكم عن دينهِ). بإظهارِ التَّضْعيفِ بدالين، مَجْزومةَ الدالِ الآخِرةِ (٢)، وكذلك ذلك في مَصاحفِهم (٣).

وأما قَرأةُ أهلِ العراقِ فإنهم قرَءوا ذلك: ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾. بالإدْغامِ بدالٍ واحدةٍ، وتَحْريكِها إلى الفتحِ بناءً على التَثْنيةِ (٤)؛ لأن المجزومَ الذي يَظْهَرُ تَضْعيفُه في الواحدِ إذا ثُنِّي أُدْغِم، ويقالُ للواحدِ: ارْدُدْ يا فلانُ إلى فلانٍ حقَّه. فإذا ثُنِّى قيل: رُدَّا (٥) إليه حَقَّه. ولا يُقالُ: ارْدُدا. وكذلك في الجمعِ: رُدُّوا. ولا يُقالُ: ارْدُدوا. فتَبْنِى العربُ أحيانًا الواحدَ على الاثنين، وتُظْهِرُ أحيانًا في الواحدِ التَّضْعيفَ لسكونِ لامِ الفعلِ، وكلتا اللغتين فَصيحةٌ مشهورةٌ في العربِ (٦).

والقراءةُ في ذلك عندَنا على ما هو به في مَصاحفِنا ومَصاحِفِ أهلِ المشرقِ (٣) بدالٍ واحدةٍ مُشَدَّدةٍ، بتركِ إظهارِ التَّضْعيفِ، وبفتحِ الدالِ؛ للعلَّةِ التي وصَفْتُ (٧).


(١) في م: "يعد".
(٢) وهى قراءة نافع وأبى جعفر وابن عامر. النشر ٢/ ١٩١.
(٣) المصاحف لابن أبي داود ص ٣٩.
(٤) وهى قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائى ويعقوب وخلف. ينظر المصدر السابق.
(٥) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "رد".
(٦) في النسخ: "العرف".
(٧) والقراءتان متواترتان، ولا سبيل لتضعيف إحداهما من جهة الرواية ولا من جهة اللغة.