للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأته جماعةٌ مِن قَرأَةِ الكُوفيين بالتأنيثِ: (تَغْشَى) بالتاءِ (١).

وذهَب الذين قرَءوا ذلك بالتَّذْكيرِ إلى أن النُّعاسَ هو الذي يَغْشَى الطائفةَ مِن المؤمنين دونَ الأمَنةِ، فذكَّره بتذكيرِ النُّعاسِ.

وذهَب الذين قرَءوا ذلك بالتأنيثِ إلى أن الأمنةَ هي التي تَغْشاهم، فأنَّثُوه لتأنيثِ الأمَنةِ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أنهما قراءتان مَعْروفتانِ مُسْتَفِيضتان في قَرأةِ الأمْصارِ، غيرُ مختلفَتَين في معنًى ولا غيرِه؛ لأن الأمنةَ في هذا الموضعِ هي النُّعاسُ، والنعاسُ هو الأمَنةُ، وسواءٌ ذلك، وبأيَّتهما قرَأ القارئُ فهو مُصِيبٌ الحقَّ في قراءتِه، وكذلك جَميعُ ما في القرآنِ مِن نَظائرِه، مِن نحوِ قولِه: (إِن شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعامُ الأثيمِ * كالمُهْلِ تَغْلِى في البطونِ) [الدخان: ٤٣ - ٤٥]. و: (ألم يكُ نُطْفةً من منيٍّ تُمْنَى) [القيامة: ٣٧]. و: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ﴾ (٢) [مريم: ٢٥].

فإن قال قائلٌ: وما كان السببُ الذي مِن أجْلِه افْتَرَقَت الطائفتان اللتان ذكَرَهما اللهُ ، فيما افْتَرَقَتا فيه من صفتَيْهما، فأمِنت إحداهما بنفسِها حتى نَعَسَت، وأهمَّت الأخرى أنفسُها ظنَّت باللهِ غيرَ الحقَّ ظنَّ الجاهليةِ؟

قيل: كان سببُ ذلك فيما ذُكِر لنا كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ: إن المشركين انْصَرَفوا يومَ أحدٍ بعدَ الذي كان مِن أمرِهم وأمْرِ المسلمين، فواعَدوا النبيَّ بدرًا مِن قابلٍ، فقال لهم: "نعم". فتخَوَّف المسلمون أن يَنْزِلوا المدينةَ، فبعَث رسولُ اللهِ رجلًا، فقال: "انْظُرْ، فإن رأيْتَهم قعَدوا على أثقالِهم، وجنَبوا (٣) خيولَهم، فإن


(١) وهى قراءة حمزة والكسائي. حجة القراءات ص ١٧٦.
(٢) سيأتي بيان هذه القراءات في مواضعها من التفسير.
(٣) جنَب الفرسَ: قادَه إلى جنبه. التاج (ج ن ب).