للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه ما بهم إليه الحاجةُ، ثم لا يكونَ لهم إلى علمِ تأويلِه سبيلٌ.

فإذ (١) كان ذلك كذلك، فكلُّ ما فيه لخلقِه (٢) إليه الحاجةُ، وإن كان في بعضِه ما بهم عن بعضِ معانيه الغِنَى، وإن اضْطَرَّتْه الحاجةُ إليه في معانٍ كثيرةٍ، وذلك كقولِ اللهِ ﷿: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨]. فأَعلمَ النبيُّ أُمَّتَه أن تلك الآيةَ التي أخبرَ الله جلَّ ثناؤُه عباده أنها إذا جاءتْ لم يَنْفَعْ نفسًا إيمانُها لم تكنْ آمنتُ من قبلِ ذلك، هي طلوعُ الشمسِ من مغرِبيها، فإنَّ الذي كانت بالعبادِ إليه الحاجةُ من علمِ ذلك هو العلمُ منهم بوقتِ نفعِ التوبةِ بصفتِه، بغيرِ تحديدِه [بعدِّ السنينَ] (٣) والشهورِ والأيامِ، فقد بيَّن اللهُ ذلك لهم بدَلالةِ الكتابِ، وأوضَحه لهم على لسانِ رسولِه مفسَّرًا، والذي لا حاجةَ بهم إلى علمِه منه هو العلمُ بمقدارِ المدةِ التي بين وقتِ نزولِ هذه الآية، ووقتِ حدوثِ تلك الآيةِ، فإن ذلك مما لا حاجةَ بهم إلى علمِه في دينٍ ولا، دنيا، وذلك هو العلمُ الذي استأثَر اللهُ جلَّ ثناؤُه به دونَ خلقِه، فحجَبه عنهم، وذلك وما أَشبهَه هو المعنى الذي طلَبتِ اليهودُ معرفتَه في مدةِ محمدٍ وأُمَّتِه من قِبَلِ قولِه: ﴿لم﴾، ﴿المص﴾، و ﴿الر﴾، و ﴿المر﴾، ونحوِ ذلك من الحروفِ المقطَّعةِ المتشابهاتِ، التي أخبرَ اللهُ، جلّ ثناؤُه، أنهم لا يُدْرِكون تأويلَ ذلك من قِبَلِه، وأنه لا يَعلَمُ تأويلَه إلا الله.

فإذ كان المتشابِهُ هو ما وصفْنا، فكلُّ ما عدَاه فمُحْكَمٌ؛ لأنه لن يخلُوَ من أن


(١) في م: "فإذا".
(٢) في ص: "محلقه". بغير نقط.
(٣) في م: "بعد بالسنين".