للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾. إذا هو تأخَّر إلى اليومِ الثالثِ ثم نَفَر، هذا معَ إجماعِ الحُجَّةِ على أن المُحْرمَ إذا رمَى وذبَح وحلَق وطاف بالبيتِ فقد حَلَّ له كلُّ شيءٍ، وتَصْريحُ الروايةِ المرويَّةِ عن رسولِ اللَّهِ بنحوِ ذلك، التي حدَّثنا بها هَنّادُ بنُ السَّريِّ الحَنْظَلِيُّ، قال: ثنا عبدُ الرحيمِ بنُ سليمانَ، عن حَجّاجٍ، عن أبي بكرِ بنِ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حزمٍ، عن عَمرةَ، قالت: سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين، متى يُحِلُّ المُحْرِمُ؟ فقالت: قال رسولُ اللَّهِ : "إذا رَمَيْتُمْ، وذَبَحْتُم وحَلَقْتُم حَلَّ لكم كُلُّ شيءٍ إلا النساءَ" (١). قال: وذكَر الزُّهْرِيُّ، عن عَمرةَ، عن عائشةَ، عن النبيِّ مثلَه (٢).

وأما الذي تأوَّل ذلك أنه بمعنى: فلا إثمَ عليه إلى عامِ قابلٍ. فلا وجهَ لتحديدِ ذلك بوقتٍ، وإسقاطِه الإثمَ عن الحاجِّ سنةً مستقبَلَةً، دونَ آثامِه السالفةِ؛ لأنَّ اللَّهَ جل ثناؤُه لم يَحْصُرْ ذلك على نَفْيِ إثمِ وقتٍ مستقبَلٍ بظاهرِ التنزيلِ، ولا على لسانِ الرسولِ ، بل دَلالةُ ظاهرِ التنزيلِ تُبِينُ عن أنَّ المتعجِّلَ في اليومَيْن والمتأخِّرَ لا إثمَ على كلِّ واحدٍ منهما في حالِه التي هو بها دونَ غيرِها من الأَحوالِ، والخبرُ عن النبيِّ يُصرِّحُ بأنه بانقضاءِ حجِّه على ما أُمِر به خارجٌ من ذنوبِه كيومِ ولَدَتْه أمُّه. ففي ذلك من دلالةِ ظاهرِ التنزيلِ، وصريحِ قولِ الرسولِ دلالةٌ واضحةٌ على فسادِ قولِ من قال: معنى قولِه: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾: فلا إثمَ عليه من وقتِ انقضاءِ حجِّه إلى عامِ قابلٍ.


(١) أخرجه الدارقطني ٢/ ٢٧٦ من طريق عبد الرحيم بن سليمان به، وأخرجه الدارقطني ٢/ ٢٧٦، والبيهقي ٥/ ١٣٦ من طرق عن الحجاج بن أرطاة به.
(٢) أخرجه أبو داود (١٩٧٨) من طريق الزهري به، وقال أبو داود: هذا حديث ضعيف، الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه.