على حقيقةِ ما نَبَّهَهم عليه مِن توحيدِه وحُجَجِه الواضحةِ القاطعةِ عُذرَهم، فقال عزَّ ذِكرُه: أيها المشركون إنْ جَهِلْتم، أو شَكَكْتم في حقيقةِ ما أخبرتُكم مِن الخبرِ؛ من أنّ إلهَكم إلهٌ واحدٌ، دون ما تدَّعون أُلُوهتَه (١) مِن الأنْدادِ والأوثانِ، فتَدَبَّروا حُجَجِي، وفَكِّروا فيها، فإن مِن حججي خَلْقَ السماواتِ والأرضِ، واختلافَ الليلِ والنهارِ، والفُلْكَ التي تجري في البحرِ بما ينفعُ الناسَ، وما أنزلتُ مِن السماءِ مِن ماءٍ فأحييتُ به الأرضَ بعدَ موتِها، وما بَثَثْتُ فيها مِنْ كلِّ دابةٍ، والسحابَ الذي سَخَّرْتُه بينَ السماءِ والأرضِ، فإن كانَ ما تَعْبُدونه مِن الأوثانِ والآلهةِ والأندادِ وسائرِ ما تُشْرِكون به، إذا اجْتَمَع جميعُه فتَظاهرَ، أو انْفَرَد بعضُه دونَ بعضٍ، يَقْدِرُ على أنْ يَخْلُقَ نظيرَ شيْءٍ مِن خَلْقي الذي سمَّيتُ لكم، فلكم بعبادتِكم ما تَعْبُدون مِن دونِي حينئذٍ عُذرٌ، وإلَّا فلَا عذرَ لكم في اتخاذِ إلهٍ سِوايَ، ولا إلهَ لكم ولما تَعْبدون غَيرِي.
قال أبو جعفرٍ: فلْيَتَدَبَّرْ أولو الألبابِ إيجازَ اللهِ جلَّ ثناؤه، واحتجاجَه على جميعِ أهلِ الكفرِ به، والملحدين في توحيدِه، في هذه الآيةِ وفي التي بعدَها، بأوجزِ كلامٍ وأبلغِ حُجَّةٍ وألطفِ معنًى، يُشْرِفُ بهم على معرفةِ فضلِ حكمةِ اللهِ وبيانِه.