للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل نزَلت هذه الآيةُ قبل أن يُؤْمَرَ النبيُّ بالقتالِ. وقالوا: هي منسوخةٌ نسَخها قولُه: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩]. الآية (١).

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتَادةَ قولَه: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾: ثم نسَخ بعدَ ذلك، فأمَر بقتالِهم في سورةِ "براءة"، ولا مُجادلةَ أشدُّ من السيفِ أن يُقاتَلوا حتى يَشْهَدوا أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمدًا رسولُ الله ، أو يُقِرُّوا بالخَراجِ (٢).

وأولى هذه الأقوالِ بالصوابِ قولُ مَن قال: عنى بقولِه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾: إلا الذين امتنَعوا من أداءِ الجزيةِ، ونصَبوا دونَها الحربَ.

فإن قال قائلٌ: أوَ غيرُ ظالمٍ من أهلِ الكتابِ، إِلَّا مَن يَرُدُّ (٣) الجزيةَ؟! قيل: إن جميعَهم، وإن كانوا لأنفسِهم بكفرِهم باللهِ وتكذيبِهم رسولَه محمدًا ، ظَلَمةٌ، فإنه لم يَعْنِ بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾. ظُلْمَ أنفسِهم، وإنما عَنَى به: إلَّا الذين ظلَموا منهم أهلَ الإيمانِ باللهِ ورسولهِ محمدٍ ، قال: أولئك فجادِلوهم بالقتالِ.

وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوالِ فيه بالصوابِ؛ لأن اللهَ تعالى ذكرُه أَذِن للمؤمنين


(١) سقط من: م، ف.
(٢) أخرجه ابن الجوزى فى النواسخ ص ٤٢٢، ٤٢٣ من طريق سعيد به، وأخرجه أبو داود في ناسخه -كما في الدر المنشور ٥/ ١٤٧ - ومن طريقه ابن الجوزى فى ناسخه ص ٤٢٢، ٤٢٣ من طريق همام عن قتادة، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٩٨ عن معمر عن قتادة، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٣٠٦٨ مختصرًا، وأخرجه النحاس ص ٦١٥ من طريق شيبان عن قتادة، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ٥/ ١٤٧ إلى ابن المنذر وابن الأنباري.
(٣) في م: "لم يؤد".