{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[النور:٥٥] أي: يجعلهم خلفاء في الأرض، ويجعلهم يملكون الأرض.
من هم المعنيون بقوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ} ؟ هل المعنيون بها فئة معينة من المؤمنين أم المعنيون بها عموم من آمن وعمل صالحاً؟ لأهل العلم قولان: أحدهما: أن المعني بها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد وعدهم الله بذلك، ووفى لهم سبحانه وتعالى، فملكوا ملك كسرى وقيصر، وطردوا الفرس والروم، وأبدلوا دول الكفر بدول الإسلام، ودخل الناس على أيديهم في دين الله أفواجاً.
القول الثاني: إن المراد عموم المؤمنين، فكل من آمن وعمل صالحاً ليستخلفنه الله في الأرض، إلا أن هذا الأخير يعكر عليه الواقع الذي نعيشه، فإن قال قائل: كيف هذا والمسلمون ضربت عليهم الذلة في هذه الأزمان؟ فالإجابة: إن عموم المسلمين الآن لا يعملون الصالحات، فخرجوا من تحت هذه الآية، إنما كما قال سبحانه:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف:١٠٣] ، فأكثرهم ابتعد عن كتاب ربه وعن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وابتعد عن العمل الصالح، وإن شئت فانظر أيهما أكثر عمراناً المساجد أو ملاعب الكرة؟! وهل المحاضرات التي تبث في التلفزيونات والإذاعة أكثر أم أكثر ما يبث اللهو والمجون؟ فالإجابة: أن الأغلب لم يعملوا صالحاً، والحكم للأغلب كما هو مقرر في الشرع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش الكعبة) الحديث.
فلهذا يقال: إن وعد الله لا يتخلف، ولكن إذا كانت الكثرة لأهل الإيمان والعمل الصالح كما كان الحال في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل سيستخلفهم، ووعده لا يتخلف سبحانه.
فهذان هما التأويلان في الآية الكريمة، أحدهما: أن المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا لا إشكال في تأويل الآية، فقد أعطاهم الله سبحانه وتعالى ما وعدهم.
والثاني: أن المراد عموم المؤمنين، وقد يرد إشكال وهو: انفصام الواقع عن الآية، ولماذا لم يستخلف المؤمنون الآن؟ فالإجابة: أن أكثر المسلمين الآن حادوا عن طريق الله، وحادوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتخلف شرط العمل الصالح عن شرط الإيمان، والله تعالى أعلم.
{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ}[النور:٥٥] أي: يجعلهم خلفاء في الأرض.