بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: سورة الحشرة يطلق عليها سورة بني النضير، وبنو النضير طائفة من اليهود كانت تقطن جانباً من جوانب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن الكفار في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فور مقدمه كانوا على ثلاث طوائف: - طائفة ناصبت الرسول صلى الله عليه وسلم العداء، وانشغلت بحرب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم المشركون الذين بقوا على شركهم.
- وطائفة أخرى صالحت الرسول عليه الصلاة والسلام وتحالفت معه تحالفات، وهم اليهود.
وطائفة ثالثة أمسكت، فلم تعاد ولم تصالح، وبقيت تترقب إلى أي شيءٍ سيئول الأمر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم المنافقون.
وطوائف اليهود هم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، أما بنو قينقاع فقد حاربهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بدر، وأما بنو النضير فكان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم حلف فغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهمّوا بقتله والفتك به عليه الصلاة والسلام، كما ذكر جمهور أهل السير أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب يستعين بهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسل سبعين من القراء مع قوم فقُتِل القراء في بئر معونة، ونجا منهم عمرو بن أمية الضمري، فلقي رجلين من بني عامر فقتلهما، ولم يكن يعلم بالحلف الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب الرسول عليه الصلاة والسلام يستعين بيهود بني النضير في أداء شيءٍ من الدية لأولياء العامريين، فغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ورتبوا أمرهم على أن يُلقوا على رأسه صخرة وهو جالس فيقتلوه غدراً، فأطلع الله سبحانه وتعالى نبيه على ذلك، وكان هذا -على ما ذكره جمهور أهل السير- سبب جلاء بني النضير، فحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم حصاراً طويلاً، وآل بهم الأمر في النهاية إلى الاستسلام على ما سيأتي بيانه، فنزل مطلع سورة الحشر في هذه الحوادث.
والحشر معناه: الجمع، كما قال تعالى:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ}[الصافات:٢٢] أي: اجمعوا، وقال تعالى:{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الشعراء:٥٣] أي: قوماً يجمعون الناس ويحشرونهم.