قال تعالى:{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ}[يوسف:٧٤] ، أي: فما جزاء السارق إذا وجدناه متلبساً بالسرقة، {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ}[يوسف:٧٤] ، قال إخوة يوسف:{جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} ، أي: جزاء السارق الذي سيوجد الصواع في رحله، {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}[يوسف:٧٥] ، أي: أن الذي تجدون عنده الصواع خذوه كعبد مسترق عندكم مقابل هذه السرقة، وهذه الفعلة القبيحة التي صدرت منه.
وهذا كان في شرع يعقوب عليه السلام، أما في شرع أمة محمد عليه الصلاة والسلام:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}[المائدة:٣٨] ، لكن في شرع يعقوب عليه السلام كان السارق يؤخذ عبداً مسترقاً مقابل السرقة، فأنت إذا سرقت مني شيئاً فيحق لي أن آخذك كعبد عندي مقابل سرقتك، أبيعك إن شئت، أو أستخدمك في أعمالي إن شئت؛ على ما يقتضيه معنى العبد، فكان هذا في شرع يعقوب، وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم:(الأنبياء إخوة لعلات؛ دينهم واحد وأمهاتهم شتى) ، أي: أصل دينهم التوحيد واحد، لكن الشرائع فيها بعض الاختلاف.
فإخوة يوسف هم الذين اقترحوا العقوبة لما سئلوا:{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}[يوسف:٧٤-٧٥] ، أي: خذوا من وجدتم الصواع في رحله كعبد لكم، {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[يوسف:٧٥] ، أي: في شريعتنا، فالذين اقترحوا العقوبة هم إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام بهذا الذي سمعتموه:{قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} .
كذلك نلفت النظر هنا إلى شيء لعله ينفع فيما بعد، وليس فيه خبر عن رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام وإنما نقله كثير من المفسرين: أن يوسف عليه السلام إذ كان صغيراً كانت عمته تربيه، فلما تقدم به السن بعض الشيء أراد أبوه أن يأخذه من عمته، وكانت عمته قد أحبته حباً زائداً؛ فطلبت من أبيه أن يبقيه عندها، فأبى، فألصقت به تهمة السرقة وأنه أخذ شيئاً منها، ومن ثم قبضته عندها في بيتها، ومن ثم قالوا:{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}[يوسف:٧٧] ، وهذا سيأتي، وتقدم أنه ليس فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه مأخوذ من الإسرائيليات، والله تعالى أعلم.