[حكم الإشهاد عند دفع المال لليتيم]
فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:٦] .
أي: فإذا سلمت لليتيم ماله وميراثه فأشهد عليه، وفي هذا بيان أن الرب سبحانه وتعالى حريص عليك وعلى مصلحتك وعلى اليتيم، فقد يجحد اليتيم بعد ذلك ويتحدث الناس في عرضك ويقولون: أكل أموال اليتامى ظلماً.
{وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٦] ، دفعتم أي: سلمتم {إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٦] أي: من الميراث الذي كان لهم {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:٦] فالإشهاد مشروع في الأعمال.
ومن ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة والشهود، وهذا لما جحد آدم فجحدت ذريته كما في قصة داود عليه السلام، لما وهب له أبوه آدم أربعين سنة أو ستين سنة، وقال بعد ذلك لما جاء ملك الموت يقبضه (ما وهبت له شيئاً) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد فجحدت ذريته، وعصى فعصت ذريته،) ومن ثم أمر بالكتابة والإشهاد.
إذا كان أبونا آدم أعقل البشر على الإطلاق كما أطلق ذلك فريق من العلماء، فإنه عاقل رشيد متزن مؤمن صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك جحد، كما في الحديث (أنه رأى ذريته أمام عينيه كالذر فنظر إلى رجل من أوضئهم فقال: من هذا يا رب؟ قال هذا ابنك داود.
قال: كم عمره؟ قال ستون أو أربعون سنة، قال قد وهبته من عمري أربعين أو ستين سنة.
فلما جاء ملك الموت يقبضه قال: قد بقي من عمري أربعون أو ستون، قال ألم تكن وهبتها داود؟ قال: ما أعطيته شيئاً.
قال الرسول عليه الصلاة والسلام: فجحد فجحدت ذريته، وعصى فعصت ذريته، ونسي فنسيت ذريته) ومن ثم أمر بالكتابة والإشهاد.
فلا تسلف أحداً من الناس مالاً إلا كتبت وأشهدت على ذلك الدين، فما دام آدم قد جحد فغيره من باب أولى.
وقد ورد في هذا الباب حديث صححه بعض أهل العلم، لكن المحققين من أهل الحديث ضعفوه، ألا وهو حديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله -أو يبغضهم الله- رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى سفيهاً مالاً، ورجل أعطى رجلاً ديناً ولم يشهد عليه) لكن الحديث ضعيف والصواب فيه: أنه من قول أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، فهو موقوف ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خطأ كما ذكر ذلك الحفاظ من أهل الحديث.
{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:٦] فالإشهاد في دفع الأموال إلى الأيتام والإشهاد على الديون، والإشهاد عند الطلاق، الإشهاد عند إرجاع الرجل لزوجته، والإشهاد عند النكاح؛ أمور لابد من التنبه لها.