قال يوسف عليه السلام:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ}[يوسف:٥٥] ، لِم؟ قال:{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥] ، ومن هنا يؤخذ شيء يتعلق بالفقه في العامل الذي يستأجر للعمل، فالعامل الذي يستأجر للعمل ينبغي أن يكون قوياً على هذا العمل، والقوة بحسبها، وينبغي أن يكون أميناً، قال تعالى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص:٢٦] ، فلزاماً في الأجير أن يتوافر فيه الشرطان: القوة والأمانة، القوة بحسبها، والأمانة معروفة.
وكشاهد آخر لهذا المعنى الذي ينبغي أن يكون في المستأجر:{قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}[النمل:٣٩] ، وقال تعالى في شأن جبريل عليه السلام وهو السفير بينه وبين رسله:{ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}[التكوير:٢٠] ، أي: قوي له مكانة، مطاع هناك في الملأ الأعلى، وأيضاً هو أمين، فَوُصف جبريل بالقوة والأمانة كذلك.
وهنا يوسف عليه السلام يقول:{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥] ، حفيظ الأمانة، عليم القوة، وكما سلف فالقوة بحسبها، فقوة الطبيب لا تكون في بدنه بالدرجة الأولى؛ إنما تكمن في قدرته على تشخيص الأمراض، ووصف العلاج المناسب للداء، وقوة المهندس لا تكمن في بدنه بالدرجة الأولى بل في عقله وذكائه وقدرته على التخطيط، وقوة المدرس تكمن في علمه وإيصاله المعلومة إلى طلابه، وقوة العالم تكمن في حفظه وذكائه وعلمه بأحوال الناس، وإعطاء الفتيا المناسبة لكل حال من الأحوال، وهكذا فالقوة بحسبها وبمنزلتها، فقد يكون الشخص قوياً في دينه لكنه لا يصلح في جانب آخر من الجوانب.
فعلى سبيل المثال: أبو ذر رضي الله عنه في دينه أقوى من خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد قال النبي في أبي ذر:(ما أقلت الغبراء -أي: الأرض- ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر) ، ولكن في الإمارة يقول له النبي صلى الله عليه وسلم:(يا أبا ذر! لا تتأمرن على اثنين، ولا تتولين مال يتيم) ، وخالد كان يتولى الإمارة ويؤمره النبي صلى الله عليه وسلم على عدد هائل من فضلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
قال يوسف عليه السلام:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥] ، أي: عليم بتسيير الأمور بإذن الله، فالسنوات القادمة سنوات شدة ومجاعة تحتاج إلى حفظ وعلم بالإدارة كذلك.