[اشتمال جزء عم على قضايا البعث والنشور]
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:١-٨] .
تقدم أن أكثر سور هذا الجزء المبارك الكريم -جزء عم- تتناول قضايا البعث والنشور الذي هو الخروج من القبور، كما تتناول الحساب والسؤال عن الأعمال، وقد بدئ ذلك بسورة النبأ، قال سبحانه: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:١-٥] .
ثم ثني بسورة النازعات، وفيها: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات:١] إلى قوله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:١٣-١٤] أي: وجه الأرض كما تقدم.
ثم في نفس السورة: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:٣٤-٣٦] .
وفي سورة عبس كذلك: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس:٣٣-٣٥] .
وجاءت سورة التكوير كذلك: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:١-٣] إلى قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:١٤] .
وجاءت أيضاً سورة الانفطار بعد ذلك: {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:١-٥] .
فكل هذا يتعلق بالبعث، حتى سورة المطففين كذلك: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:١] إلى قوله: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٤-٦] .
وكذلك عقبت بسورة الانشقاق: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:١] إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦] أي: عامل عملاً فملاقٍ جزاء عملك، وهكذا سائر السور، فأغلب سور هذا الجزء تتناول قضايا البعث والنشور، وهذا يتفرع عنه أن سلامة العمل تكمن في سلامة المعتقد، فإذا كان الشخص يعتقد اعتقاداً صحيحاً أنه مبعوث ومسئول أمام الله عن أعماله فحينئذٍ يعمل عملاً صحيحاً؛ لأنه موقن أن سيلاقي جزاء هذا العمل، ولذلك قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين:١-٤] ألا يظن، أي: لو أيقنوا أنهم مبعوثون ليوم عظيم ما طففوا المكاييل ولا طففوا الموازين.
والحاصل: أن أغلب سور هذا الجزء تناولت ركن الإيمان الذي هو الإيمان بالبعث وما يتعلق به من مقدمات وتوابع تتبع هذا اليوم.
ففي هذه السورة كذلك جاء المسير على هذا المنوال.