قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ: " أَتَدْرُونَ مَا قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وجل؟ " قال اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: يَقُولُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَمَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا في دركم مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ وَكَافِرٌ بِي ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ عَلَى مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُ أَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْمَطَرُ فَكَانُوا كُفَّارًا بِذَلِكَ، وَالنَّوْءُ: هُوَ النَّجْمُ الَّذِي يَسْقُطُ فِي الْمَغْرِبِ وَيَطْلُعُ مَكَانَهُ فِي الْمَشْرِقِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَ: الْعَبْدُ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَا يُمْطَرُ وَلَا يُفْعَلُ إِلَّا بالله سبحانه، وأما من قال مطرنا ينوء كَذَا عَلَى مَا كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ إِضَافَةِ الْمَطَرِ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ هُوَ الْمَاطِرُ فَهَذَا كَافِرٌ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ أَوْ نَجْمٌ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ شَيْئًا مِنْ ضَرَرٍ أَوْ نَفْعٍ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا يَعْنِي: أَنَّا مُطِرْنَا فِي وَقْتِ نَوْءِ كَذَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ كُفْرًا، كَقَوْلِهِ مُطِرْنَا فِي شَهْرِ كَذَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ الْعَادَةَ أَنَّ يُمْطَرَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَنْشَأَتْ نَجْدِيَّةٌ ثُمَّ اسْتَحَالَتْ شَامِيَّةً فَذَلِكَ عَيْنٌ عَذِيقَةٌ " يَعْنِي فِيمَا أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْعَادَةِ.
(فَصْلٌ)
: يُخْتَارُ لِلنَّاسِ أَنْ يَسْتَمْطِرُوا الْغَيْثَ أَوَّلَ نُزُولِهِ فَيَبْرُزُونَ لَهُ حَتَّى يُصِيبَ ثِيَابَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ لِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي أَوَّلِ مَطْرَةِ، إِلَّا الإزار يئتزر بِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ جَارِيَتَهُ بِإِخْرَاجِ رَحْلِهِ إِلَى الْمَطَرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " تَوَقَّعُوا الْإِجَابَةَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ، وَكَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إِلَى الرَّعْدِ، وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَاكَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، فَيُخْتَارُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute