الْحَجِّ فَزَايَلَتْ مَنْزِلَهُ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَسَوَاءٌ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَمْضِيَ لِسَفَرِهَا ذَاهِبَةً وَجَائِيَةً وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ سَفَرَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَأْذَنَ لِزَوْجَتِهِ فِي السَّفَرِ، إِمَّا مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ ثُمَّ يَمُوتَ عَنْهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ إِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِهِ لَزِمَهَا أَنْ تُقِيمَ، وَتَعْتَدَّ فِيهِ سَوَاءٌ بَرَزَتْ بِرَحْلِهَا أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِهِ فَفِيمَا تَسْتَقِرُّ بِهِ دُخُولَهَا فِي السَّفَرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ بِخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِهِ قَدِ اسْتَقَرَّ لَهَا السَّفَرُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي بُنْيَانِ بَلَدِهِ اعْتِبَارًا بِمُفَارَقَةِ الْمَنْزِلِ الْمَسْكُونِ فَلَا يَلْزَمُهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ أَنْ تُقِيمَ وَلَهَا أَنْ تَتَوَجَّهَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي سَفَرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ دُخُولُهَا فِي السَّفَرِ إِلَّا بِمُفَارَقَةِ آخِرِ بُنْيَانِ الْبَلَدِ اعْتِبَارًا بِمُفَارَقَةِ الْبَلَدِ الْمُسْتَوْطَنِ لِتَصِيرَ بِحَيْثُ يُسْتَبَاحُ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا مَا لَمْ تُفَارِقْ آخِرَ بُنْيَانِ الْبَلَدِ حَتَّى مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا أَنْ تَعُودَ إِلَيْهِ، وَتَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ، فَإِنْ طُلِّقَتْ وَقَدْ فَارَقَتْ آخِرَ بُنْيَانِ الْبَلَدِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ إِلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: حَكَاهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَسْتَقِرُّ دُخُولُهَا فِي السَّفَرِ إِلَّا أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اعْتِبَارًا بِالسَّفَرِ الَّذِي تُسْتَبَاحُ فِيهِ الرُّخَصُ فَمَا لَمْ تَبْلُغْ إِلَيْهِ فَعَلَيْهَا إِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَ أَنْ تَعُودَ فِي مَنْزِلِهَا، فَإِنْ بَلَغَتْ مَسَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حِينَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي السَّفَرِ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ وُجُوبُ الْعَوْدِ إِلَى بَلَدِهَا إِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَ عَلَى ما ذكرنا ما الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى خِيَارِهَا فِي الْعَوْدِ وَالتَّوَجُّهِ وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِالسَّفَرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: سَفَرُ عَوْدٍ، وَسَفَرُ نُقْلَةٍ.
فَأَمَّا سَفَرُ الْعَوْدِ فَهُوَ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي السَّفَرِ إِلَى بَلَدِ الْحَجِّ، أَوْ زِيَارَةٍ، أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ ثُمَّ تَعُودُ مِنْهُ فَهِيَ بَعْدَ حُدُوثِ الْمَوْتِ أَوِ الطَّلَاقِ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ التَّوَجُّهِ أَوِ الْعَوْدِ إِذَا كَانَتْ فِي الْحَالَيْنِ آمِنَةً لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَصْحَابُنَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَوْطَنَةٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْأَوْلَى بِهَا أَنْ تَقْصِدَ أَقْرَبَ الْبَلَدَيْنِ إِلَيْهَا لِتَقْضِيَ عِدَّتَهَا فِي الْحَضَرِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَضَائِهَا فِي السَّفَرِ، فَإِنْ قَصَدَتْ أَبْعَدَ الْبَلَدَيْنِ جَازَ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا سَفَرُ النُّقْلَةِ فَهُوَ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي السَّفَرِ إِلَى بَلَدٍ لِتَسْتَوْطِنَهُ وَتُقِيمَ فِيهِ فَفِيهِ عِنْدُ حُدُوثِ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، كَمَا لَوْ أَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ دَارٍ إِلَى أُخْرَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute