أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمُحَرَّمُ كَمَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمُحَرَّمُ، وَإِنْ ثَبَتَ بِهِ التَّحْرِيمُ، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ تَغْلِيظًا فَاقْتَضَى أَنْ يَنْفِيَ عنه المحرم تغليظاً.
[مسألة]
قال الشافعي: " فإن وَطِئَ أُخْتَهَا قَبْلَ ذَلِكَ اجْتَنَبَ الَّتِي وَطِئَ آخرا وأحببت أن يجتنب الولي حتى يستبرئ الآخرة ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ ثُمَّ وَطِئَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ قَبْلَ تَحْرِيمِ تِلْكَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَ بِهِ وَتَكُونُ الْأُولَى عَلَى إِبَاحَتِهَا، وَالثَّانِيَةُ على تحريمها؛ لأنه وطئها حراماً فلم تحل به الثانية ولم تحرم به الْأُولَى وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ الثَّانِيَةَ لِتَحْرِيمِهَا وَيُسْتَحَبُّ أن يجتنب الأولى حتى تستبرئ الثَّانِيَة نَفْسَهَا لِئَلَّا يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ فِي أُخْتَيْنِ وبالله التوفيق.
قال الشافعي: " فإذا اجْتَمَعَ النِّكَاحُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي أُخْتَيْنِ أَوْ أمةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فَالنِّكَاحُ ثابتٌ لَا يَفْسَخُهُ مِلْكُ الْيَمِينِ كَانَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ وحرم بملك الْيَمِينِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُثْبِتُ حُقُوقًا لَهُ وَعَلَيْهِ وَلَوْ نَكَحَهُمَا مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا وَلَوِ اشْتَرَاهُمَا مَعًا ثَبَتَ مِلْكُهُمَا وَلَا يَنْكِحُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ وَيَشْتَرِيهَا عَلَى امْرَأَتِهِ وَلَا يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ غَيْرَهُ وَيُمَلِّكُ أَمَتَهُ غَيْرَهُ فَهَذَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ".
قال الماوردي: قد مضى الكلام في الجمع بين أختين بعد نكاح في الجمع بينهما بملك اليمين فَأَمَّا إِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَنْ عَقَدَ على أحدهما نكاحاً واستمتع بالأخرى بملك اليمين فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ سَبَبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ فإن عقد النكاح ثُمَّ اسْتَمْتَعَ بِهَا بَعْدَهُ فَالْحُكْمُ في الحالين سواء إذا كان الاستمتاع بعد عقد النِّكَاحِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ تَجَدَّدَ بَعْدَهُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَوَطْؤُهُ لِلْأُخْتِ مُحَرَّمٌ، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ لِاسْتِقْرَارِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الِاسْتِمْتَاعُ عَلَى النكاح كأن ملك أمة استمتع بِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْتَهَا قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ كثبوته لو تقدم ويحرم به الموطؤة بملك اليمين، وقال مالك النكاح باطل، والموطؤة بملك اليمين حلالاً اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ صَارَتْ بِالْوَطْءِ فراشاًَ كما تصير بعد النِّكَاحِ فِرَاشًا وَحَرُمَ دُخُولُ أُخْتِهَا عَلَيْهَا فِي الْحَالَيْنِ فَلَمَّا كَانَ لَوْ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْعَقْدِ بطل نكاح أختها عليها ووجب إذا جاءت فِرَاشًا بِالْمِلْكِ أَنْ يَبْطُلَ نِكَاحُ أُخْتِهَا عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا فِي الْحَالَيْنِ فِرَاشًا.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ الْفِرَاشَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لأربعة معانٍ:
أحدها: أن فراش المنكوحة ثبت بِثُبُوتِ الْعَقْدِ وَلَا يَثْبُتُ فِرَاشُ الْأَمَةِ بِثُبُوتِ الملك،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute