بِصَرِيحِ الْإِذْنِ لِمَا فِي السَّفَرِ مِنَ التَّغْرِيرِ بِهِ وَلَا أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِيهِ وَلَا أَنْ يُضَارِبَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاوَزَةِ إِذْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ النَّسِيئَةَ لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمُطْلَقِ إِذْنِهِ وَجَوَّزَ أبو حنيفة ذَلِكَ، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ أَحْكَامَ الْوَكِيلِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ وَتَصَرُّفَ الْوَكِيلِ مَقْصُورٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْإِذْنُ الصَّرِيحُ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لا يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَيَنْتَفِي عَنِ الشَّرِكَةِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ وَيَصِيرُ تَصَرُّفُ كل واحد منهما مقصور عَلَى حِصَّتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ.
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْذَنَ أَحَدُهُمَا فِي التَّصَرُّفِ وَلَا يَأْذَنَ الْآخَرُ فَيَكُونُ لِلْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ عَلَى حَسَبِ عُمُومِ الْإِذْنِ وَخُصُوصِهِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ إِلَّا فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ. كَمَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَصَارَ مَجْمُوعُ مَا شَرَحْنَا أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يَنْتَظِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: اتِّفَاقُ الْمَالَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ.
وَالثَّانِي: خَلْطُ الْمَالَيْنِ حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ.
وَالثَّالِثُ: الْإِذْنُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا بِيعَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ عَرْضٌ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ إِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ قَبَضَ مِنَ الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ من الألف وذلك خمسمائة وَكَانَ لَقَابِضِهَا أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا وَيَبْطُلَ مِنَ الشَّرِكَةِ بِقَدْرِهَا، وَيَجُوزُ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِحِصَّتِهِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنَ الثَّمَنِ فإن أعسر فَلَا رُجُوعَ لِهَذَا الشَّرِيكِ عَلَى شَرِيكِهِ الْقَابِضِ أو لا بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ قَبَضَهُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ إِلَّا وَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ فَلَوْ قَبَضَ شَيْئًا رَجَعَ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ بِنِصْفِهِ وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الْقَابِضُ وَهَبَ مَا قَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا فِي يَدِهِ وَرَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ الْوَاهِبِ بِمِثْلِ حِصَّتِهِ فِيمَا قَبَضَهُ وَكُلُّ هَذَا عِنْدَنَا فَاسِدٌ وَالْقَابِضٌ مَلَكَ لِمَا قَبَضَهُ إِذَا كَانَ قَابِضًا لَهُ مِنْ حِصَّتِهِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ حَجْرٌ وَمَا فِي الذِّمَّةِ مَوْكُولٌ إِلَى خِيَارِ ذِي الذِّمَّةِ فِي تَقْدِيمِ مَنْ شَاءَ لِحَقِّهِ والله أعلم.
[(مسألة)]
قال المزني رضي الله عنه: " وَمَتَى فَسَخَ أَحَدُهُمَا الشَّرِكَةَ انْفَسَخَتْ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَا يَبِيعَ حَتَّى يَقْسِمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفِ كُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute