وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ إِنَّهُ قَدْ يَنْجَسُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ حَلَّتْ مَاءً قَلِيلًا قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْأَنْجَاسِ، وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ مُمْكِنٌ بِتَخْمِيرِ الْإِنَاءِ وَلِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ بِمَا رَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِتَغْطِيَةِ الْوَضُوءِ وَإِيكَاءِ السِّقَاءِ وَإِكْفَاءِ الْإِنَاءِ " فَكَانَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ حِفْظًا لِلْمَاءِ مِنْ وُقُوعِ مَا يُنَجِّسُ بِهِ، وَغَالِبُ مَا يَقَعُ فِيهَا هُوَ الذُّبَابُ وَالْحَشَرَاتُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُوجِبٌ لِتَنْجِيسٍ مَا مَاتَ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَصَحُّ، فَإِذَا قِيلَ بِتَنْجِيسِ مَا مَاتَ فِيهِ فَسَوَاءٌ غير الماء أو يفضل فيه أم لَا؟ قَدْ نُجِّسَ بِمَوْتِهِ فِي الْحَالِ، وَإِذَا قِيلَ بِطَهَارَةِ مَا مَاتَ فِيهِ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ وَيَفْضُلْ فِيهِ، فإن تغير به الماء ويفضل فِيهِ لِطُولِ الْمُكْثِ فَفِي نَجَاسَتِهِ حِينَئِذٍ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَلَّ مَنَ الْمَاءِ إِذَا لَمْ يَنْجَسْ بِمُلَاقَاةِ الْعَيْنِ لَمْ يَنْجَسْ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّقْطِيعِ وَطُولِ الْمُكْثِ، كَالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ نَجِسًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ وَقْتَ حُلُولِهِ مُتَعَذِّرٌ وَالِاحْتِرَازَ مِنْ طُولِ مُكْثِهِ مُمْكِنٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْضُلْ يَعْنِي يَنْقَطِعْ، فَأَمَّا الْحَيَّاتُ وَالْوَزَغُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ هِيَ ذَاتُ نَفْسٍ سَائِلَةٍ أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الدَّرَاكِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِنِيُّ: هِيَ ذَاتُ نَفْسٍ سَائِلَةٍ، فَعَلَى هَذَا يَنْجَسُ مَا مَاتَا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو الْفَيَّاضِ وَأَبُو القاسم الصميري لَيْسَتْ ذَاتَ نَفْسٍ سَائِلَةٍ، فَعَلَى هَذَا فِي تَنْجِيسِ مَا مَاتَا فِيهِ قَوْلَانِ.
(مَسْأَلَةٌ: إِذَا وقعت في الماء جرادة أو حوت)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ جرادةٌ ميتةٌ أَوْ حوتٌ لم تنجسه؛ لأنهما مأكولان ميتين ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أحِلَّتْ لَنَا ميْتَتَانِ وَدَمَانِ ". فَذَكَرَ فِي الْمَيِّتَيْنَ الْحُوتَ وَالْجَرَادَ، وَفِي الدَّمَيْنِ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ، فَأَمَّا الْجَرَادُ فَمِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، فَهُوَ مَأْكُولٌ، وَمَوْتُهُ ذَكَاتُهُ، فَإِذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ أو وقع فيه ميتاً فالماء طهار؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُحَلَّلٌ أَكْلُهُ كَاللَّحْمِ الذَّكِيِّ لا ينجس الماء بوقوعه فيه وأما الجواب عن صَيْدِ الْبَحْرِ وَصَيْدُ الْبَحْرِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مُتَّفَقٌ عَلَى أَكْلِهِ، وَهُوَ الْحُوتُ، فَأَمَّا إِذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ فَهُوَ
طَاهِرٌ وَأَكْلُهُ حَلَالٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ، أَوْ غَيْرِ سَبَبٍ وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ مَوْتُهُ بسبب