وَجْهًا وَاحِدًا لِعِلَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُقَابَلَةَ حَقٌّ لَهُمْ، كَالتَّرْتِيبِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ حَقٍّ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِمْ.
وَالثَّانِيَةُ: أنه عقد واحد يجير خَطَأُ أَحَدِهِمْ بِإِصَابَةِ غَيْرِهِ، وَإِذَا عَيَّنُوا وَاحِدًا صَارَتْ عُقُودًا تَقْتَضِي أَنْ لَا يُجْبَرَ خَطَأُ واحد بإصابة غيره، فبطل.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِذَا كَانَ الْبَدْأَةُ لِأَحَدِ الْمُتَنَاضِلَيْنِ فَبَدَأَ الْمُبْدَأُ عَلَيْهِ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ رد ذَلِكَ السَّهْمُ عَلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اسْتَحَقَّ أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالرَّمْيِ، إِمَّا بِشَرْطٍ أَوْ قُرْعَةٍ، فَبَدَأَ صَاحِبَهُ بِالرَّمْيِ، وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَانَ رَمْيُهُ مَرْدُودًا عَلَيْهِ لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِصَوَابِهِ، وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِخَطَئِهِ لِخُرُوجِ رَمْيِهِ عَنْ حُكْمِ عَقْدِهِ، فَصَارَ رَمْيًا فِي غَيْرِ عَقْدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ أَنْ يَرْمِيَ رِشْقَهُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، فَرَمَى عَشَرَةَ أَسْهُمٍ لَمْ يُحْتَسَبْ بِمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ فِي صَوَابٍ وَلَا خَطَأٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ، وَأَعَادَ رَمْيَهَا فِي نَوْبَتِهِ، وَاحْتُسِبَ فِيهَا بِمَا زَادَ مِنْ صَوَابِهِ أو خطئه.
قال الشافعي: " وَالصَّلَاةُ جائزةٌ فِي الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعِ إِذَا كَانَ جِلْدُهُمَا ذَكِيًّا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مَدْبُوغًا مِنْ جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَا عَدَا كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا فَإِنَّ ذَلَكَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُهُ لِمَعْنًى واحدٍ وَإِنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إِلَى الْأَرْضِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمَضْرَبَةُ، فَجِلْدٌ يَلْبَسُهُ الرَّامِي فِي يَدِهِ الْيُسْرَى يَقِي إِبْهَامَهُ إِذَا جَرَى السَّهْمُ عَلَيْهِ بِرِيشِهِ، يُقَالُ: مُضَّرَبَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الضَّادِ، وَيُقَالُ: مَضْرَبَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَسْكِينِ الضَّادِ، وَهُوَ أَفْصَحُ.
وَأَمَّا الْأَصَابِعُ فَجِلْدٌ يَلْبَسُهُ الرَّامِي فِي إِبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى لِمَدِّ الْوَتَرِ وَتَفْوِيقِ السَّهْمِ، فَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدٍ نَجِسٍ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ إِذَا لَمْ يُدْبَغْ، لَمْ تَجُزِ الصَّلَاةُ فِيهِمَا لِنَجَاسَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَا طَاهِرَيْنِ مِنْ ذَكِيٍّ مَأْكُولٍ أَوْ مِنْ مَيْتَةٍ أَوْ مَا لَا يُؤْكَلُ إِذَا دُبِغَا، فَطَهَارَتُهُمَا لَا تَمْنَعُ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الصَّلَاةِ إِذَا لَمْ تُسْقِطْ مِنْ فُرُوضِهَا شَيْئًا، وَيُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ مَا أَسْقَطَ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِهِمَا، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ الْأَصَابِعَ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي جَوَازِ لُبْسِ الْمَضْرَبَةِ، قَوْلَانِ، لِأَنَّ بُطُونَ الْأَصَابِعِ لَا يَلْزَمُ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِهَا فِي السُّجُودِ وَفِي لُزُومِ مُبَاشَرَتِهِ الْأَرْضَ بباطن كفه في السجود قولان: إن قِيلَ بِوُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْيَدَيْنِ فَكَانَتِ الْأَصَابِعُ غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ فرضٍ، وَفِي مَنْعِ الْمَضْرَبَةِ من العوض قولان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute