وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ نَفْيَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِمْكَانِ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَا لَزِمَ بِالسُّكُوتِ فَمُدَّةُ لُزُومِهِ معتبةر بِالْإِمْكَانِ بَعْدَ عِلْمِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ خِيَارٍ تَعَلَّقَ بِالنِّكَاحِ كَانَ مُعْتَبَرًا بالفور كالخيار بالعيوب.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَيُّ مُدَّةٍ؟ قُلْتُ لَهُ نَفْيُهُ فِيهَا فَأَشْهَدَ على نفيه وهو مشغول بما يخالف فَوْتَهُ أَوْ بِمَرَضٍ لَمْ يَنْقَطِعْ نَفْيُهُ)) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: إِذَا قِيلَ: إِنَّ نَفْيَهُ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ قِيلَ إِنَّهُ مُؤَجَّلٌ فِي نَفْيِهِ ثَلَاثًا فَمَضَتْ صَارَ الْخِيَارُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْحُكْمُ فِي الْحَالَيْنِ حِينَئِذٍ وَاحِدٌ، وإذا كان كذلك فالفور في نفيه معتبراً بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ.
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْعِلْمُ بِوِلَادَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى تَطَاوَلَ بِهِ الزَّمَانُ كَانَ عَلَى نَفْيِهِ فَإِنْ نُوزِعَ فِي الْعِلْمِ. لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ غَائِبًا قُبِلَ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَخْلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا فِي دَارٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي دَارَيْنِ، فَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ لَا يَخْفَى وِلَادَتُهَا عَلَى مَنْ فِيهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ كان في دار تلتها، نُظِرَ فَإِنْ شَاعَ خَبَرُ وِلَادَتِهَا فِي الْجِيرَانِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لِاسْتِحَالَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشَعِ الْخَبَرُ فِي جِيرَانِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ لِإِمْكَانِهِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ قَاطِعٌ عَنْ نَفْيِهِ، وَالْأَعْذَارُ الْقَاطِعَةُ: أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا، أَوْ مَرِيضًا، أَوْ مُقِيمًا عَلَى مَرِيضٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ مُقِيمًا عَلَى حِفْظِ مَالٍ يخاف من تلفه، أو مستتراً في ذِي سَطْوَةٍ يَخَافُ ظُلْمَهُ أَوْ طَالِبًا لِضَالَّةٍ يخاف موتها أَوْ مُقِيمًا عَلَى إِطْفَاءِ حَرِيقٍ، أَوِ اسْتِنْقَاذِ غَرِيقٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ الَّتِي يجوز معها ترك الجمعة. فلا يزمه الْحُضُورُ مَعَهَا ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ قَدَرَ مَعَهَا عَلَى مُرَاسَلَةِ الْحَاكِمِ بِحَالِهِ فَعَلَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَفْعَلْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَكَانَ لَهُ نَفْيُهُ.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْإِمْكَانُ مِنْ غَيْرِ إِرْهَاقٍ يَخْرُجُ عَنِ الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ لَيْلًا فَحَتَّى يُصْبِحَ. وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ فَحَتَّى يُصَلِّيَ، وَإِنَّ حَضَرَ طَعَامٌ فَحَتَّى يَأْكُلَ وَإِنْ كَانَ يَلْبَسُ ثِيَابًا بِذْلَةً لَا يَلْقَى الْحَاكِمَ بِهَا فَحَتَّى يَلْبَسَ ثِيَابَ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرْكَبُ فَحَتَّى يُسْرِجَ مَرْكُوبَهُ، وَإِنْ كان له مال بارز فحتى يتحرز مَالَهُ، فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا شَاكَلَهُ مُعْتَبَرٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute