فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا، ثُمَّ وَلَوْ سَلِمَ الْحَدِيثُ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْإِرْشَادِ وَالنَّدْبِ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " من غضب فليتوضأ " وروى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ " وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ أَنَّهُ يَقَعُ تَارَةً بِاخْتِيَارٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ فَمُنْتَقَضٌ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، أَوْ أَنَّ قَلِيلَهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ، فَالْمَعْنَى فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْكَلَامِ، فَبَطَلَتْ بِالْقَهْقَهَةِ وَلَيْسَ كذلك الوضوء.
[(فصل)]
: فأما الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي أَكْلِ مَا مَسَّتِ النَّارُ فلا ينقض الوضوء بحال، وبه قال في الصَّحَابَةِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَكَافَّةُ التَّابِعِينَ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِهِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ من أكل كل ما سمته النار، وبه قال الجماعة مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَائِشَةُ اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " توضؤوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلَوْ عَلَى ثورٍ مِنْ أقطٍ " وَالثَّوْرُ هُوَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَقِطِ هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَكَلَ كَتِفَ شاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَرَوَى عُبَيْدُ بْنُ ثُمَامَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الحرث بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سبعةٍ أَوْ سَادِسَ ستةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute