في الإملاء على كتاب مالك إنه لو كاتب المكاتب عبده فأدى لم يعتق كما لو أعتقه لم يعتق (قال المزني) هذا عندي أشبه) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي مُكَاتَبٍ مَلَكَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ، فَنُفُوذُ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِيهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ كَاتَبَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ عِتْقُهُ مَرْدُودًا، لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ مِلْكٍ وَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْعِتْقُ، وَإِنْ عَتَقَ أَوْ كَاتَبَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَفِي عِتْقِهِ وَكِتَابَتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُهَا، وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْمُكَاتَبِ عِتْقٌ وَلَا كِتَابَةٌ، لِنَقْصِ مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ، فَصَارَ أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَبْطُلُ عِتْقُهُ بِنَقْصِ تَصَرُّفِهِ مَعَ تَمَامِ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ) وَالْمُكَاتَبُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْعِتْقُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عِتْقَهُ نَافِذٌ وَكِتَابَتَهُ جَائِزَةٌ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ بِإِذْنِهِ كَمَا يَزُولُ مَنْعُ الرَّهْنِ مِنَ الْعَيْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلِأَنَّ حَالَ الْمُكَاتَبِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، فَاقْتَضَى أَنْ يَنْفُذَ الْعِتْقُ عَلَى الْأَحْوَالِ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِاخْتِصَاصِ الْمِلْكِ بِهِمَا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ التَّفْرِيعُ، فَإِذَا أَنْفَذَ الْعِتْقَ، وَصَحَّتِ الْكِتَابَةُ، فَفِي وَلَاءِ الْمُعْتِقِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ بِالْعِتْقِ لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ، وَلَيْسَ الْمُكَاتَبُ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْوَلَاءَ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ الْعِتْقُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَعَلَى هَذَا إِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ كَانَ مِيرَاثُهُ بِالْوَلَاءِ لِسَيِّدِهِ وَلَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ فَهَلْ يَجُرُّ إِلَيْهِ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ، وَيَنْتَقِلُ عَنْ سَيِّدِهِ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ، وَيَكُونُ بَاقِيًا لِلسَّيِّدِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ كَالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ مَحَلِّ ثُبُوتِهِ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ ثُمَّ لِعُصْبَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُرُّ الْوَلَاءَ، وَيَنْتَقِلُ عَنِ السَّيِّدِ إِلَيْهِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْعِتْقَ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْجَرَّ وَلَاءُ الْأَوْلَادِ عَنْ مُعْتِقِ الْأُمِّ إِلَى مُعْتِقِ الْأَبِ وَهُوَ غَيْرُ مُبَاشِرٍ لِعِتْقِ الْأَوْلَادِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْجَرَّ وَلَاءُ الْعِتْقِ فِي الْمُبَاشَرَةِ عَنِ السَّيِّدِ إِلَى الْمُكَاتَبِ الْمُبَاشِرِ لِلْعِتْقِ، فَهَذَا حُكْمُ الْوَلَاءِ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ لِلسَّيِّدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْمُكَاتَبِ الْمُعْتِقِ دُونَ السَّيِّدِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ وُقُوفُ الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَوْكَدَ مِنَ النَّسَبِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُوقَفَ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْفِرَاشِ عَلَى بَيَانِ الْقَافَةِ أَوِ انْتِسَابِ الْوَلَدِ، فَكَانَ الْوَلَاءُ فِي الْوُقُوفِ بِمَثَابَتِهِ، وَيُرَاعَى حَالُ الْمُكَاتَبِ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ كَانَ لَهُ وَلَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute